بذلك أفرغت الفكرة الأساسية التي كانت وراء إنشاء هذه المجالس من معناها. ففي ظل هيمنة السلاح والمال المشروط، بات هامش عمل المجالس ضئيلا. هكذا تراجعت إمكانية، بناء سلطة بديلة وديمقراطية من الأسفل تستطيع قيادة الثورة والتحدث باسمها

الكاتب/ة: وليد ضو.

نشر في‫:‬الأثنين, اذار 6, 2017 

 المصدر:http://www.al-manshour.org/node/7333

“لسنا أقل من عمال كومونة باريس… هم صمدوا سبعين يوماً ونحن ما زلنا صامدين منذ عام ونصف العام”. بهذه الكلمات وصف المثقف العضوي عمر عزيز الثورة في سوريا. في 17 شباط 2013 استشهد عزيز في سجن عدرا المركزي.

في هذا النص، سنستعرض أبرز معالم المجالس المحلية، التي كان لعزيز الدور المؤثر في صياغة الأوراق التأسيسية لها (1)، كما ستتم الإشارة إلى مكامن الخلل في هذا الشكل من التنظيم، على الأقل من ناحية التطبيق.

مع ازدياد الحملة القمعية التي شنها النظام السوري على الانفجار الثوري في سوريا، بمرحلته السلمية، والتي ترافقت مع انشقاق العديد من الجنود، وبدء المناوشات العسكرية، بين الجيش السوري وما بات يعرف باسم الجيش السوري الحر، برزت الحاجة إلى إقامة أشكال تنظيمية تدير حياة الناس، بفعل انسحاب النظام من القيام بأدنى واجباته، المنسحب منها أصلا مع بدء تطبيق “الإصلاحات” النيوليبرالية.

وإذا كانت لجان التنسيق المحلية قد أقيمت كأشكال تنظيمية للتحضير والدعوة والتوثيق للمظاهرات، فإن فكرة المجالس المحلية وجدت كبديل عن النظام ومؤسساته. أهداف إقامة هذه المجالس، بحسب عمر عزيز، هو “مساندة البشر في إدارة حياتهم بشكل مستقل عن مؤسسات الدولة…، تكوين فضاء للتعبير الجمعي يدعم تعاضد الأفراد ويرتقي بأنشطتهم اليومية إلى التعامل السياسي،… توفير الدعم والمساندة للوافدين ولعائلات المعتقلين،… توفير مساحة للنقاش للتداول بالمسائل الحياتية للبشر، بناء ترابط أفقي بين المجالس المحلية…، الدفاع عن أراضي المنطقة بوجه استملاكات الدولة لصالح الأثرياء أو ضباط الأسلاك العسكرية والأمنية في الدولة…” بالإضافة إلى قيامها بتوثيق الانتهاكات التي يرتكبها النظام وشبيحته (فقط)، فضلا عن أدوار إغاثية وتنسيقية مع اللجان الطبية ودعم وتنسيق الأنشطة التعليمية.

ولكن، وبسبب “غياب الممارسة الانتخابية في الظرف الراهن”، التعبير لعمر عزيز، “تتشكل المجالس المحلية من العاملين في الحقل الاجتماعي والحائزين على احترام الجمهور ممن تتوفر لديهم خبرات في مجالات [مختلفة]…”. الملفت هنا هو كيف يمكن تقدير “احترام الجمهور” ومتى ينتهي “الظرف الراهن”؟ على الرغم من استمرار هذا “الظرف الراهن”، إلا أنه نظمت انتخابات للمجالس المحلية على المستوى البلدي، ومن ثم شكلت الهيئة العامة للمجالس المحلية، التي تضم ممثلين عن المجالس المحلية، وذلك على مستوى المحافظة، وليتم تشكيل مجلس المحافظة والأخير ينتخب مكتبا تنفيذيا ورئيسا له، كل هذه المجالس ألحقت بوزارة الإدارة المحلية والإغاثة وشؤون اللاجئين في الحكومة المؤقتة (2).

في الواقع، اقتصر عمل هذه المجالس على الشؤون البلدية، كخدمات بمختلف أشكالها، ترافقها (تنافسها؟) كوكبة من المنظمات غير الحكومية في العمل عينه، في حين بقيت الفصائل المسلحة خارج رقابة المجالس المحلية. وفي الوقت نفسه، احتكر كل من المجلس الوطني السوري والحكومة السورية المؤقتة والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية “الكلام السياسي الكبير”.

بذلك أفرغت الفكرة الأساسية التي كانت وراء إنشاء هذه المجالس من معناها. ففي ظل هيمنة السلاح والمال المشروط، بات هامش عمل المجالس ضئيلا. هكذا تراجعت إمكانية، بناء سلطة بديلة وديمقراطية من الأسفل تستطيع قيادة الثورة والتحدث باسمها. وعلى الرغم من أن هذه المجالس منتخبة، إلا أن الديمقراطية لا تقتصر على صندوق الاقتراع أو مجرد دقائق يمارس خلالها حقه الانتخابي، إنما تعني أيضا مشاركة المرأة ترشحا واقتراعا (3)، وتعني أيضا وعيا لمسألتي العنصرية والطائفية، وتعني مشاركة كل الناس في إدارة شؤونهم بمختلف أوجهها، ليس فقط من ناحية الحق بالحصول على الغذاء والصحة والتعليم، بعيدا عن سيطرة أمراء الحرب من كافة الأطراف. إنما تعني أيضا السعي من أجل تحقيق آمال الآلاف من السوريين/ات الذين تظاهروا واعتقلوا واستشهدوا وهجروا، أي من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية.

لا يتحمل الثوار السوريون مسؤولية ما آلت إليه الثورة، فعمر عزيز لم يعتقل نفسه ولم ينتحر داخل المعتقل، فهم كانوا، ومنذ البداية، يواجهون خصما متمرسا بالشراسة والقتل والاستغلال. خصم لم يكن وحيدا إنما عاونته مجموعة واسعة من الدول المهيمنة على الصعيد الدولي والإقليمي والميليشيات المسلحة السورية وغير السورية، في الوقت عينه، ابتلى الثوار السوريون بقيادة مرتهنة بالكامل لدول الخليج وتركيا، قيادة تسولت تدخلا غربيا، إلى أن تدخل هذا “الخارج” لصالح النظام القائم، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

تعلمنا تجربة المجالس المحلية، غير المنتهية، بإيجابياتها وسلبياتها، الكثير. فنضالات الشعوب، أو البشر كما يسميهم الشهيد والرفيق عمر عزيز، متصلة ومترابطة. شعوب تبتدع أشكال الصمود والمواجهة. قدرنا أن نواجه ونكافح على عدة مستويات وجبهات، وأن نتعلم دروساً من التجارب الماضية والراهنة. ليس فقط وفاء للموتى، وهم كثر، إنما من أجل الحياة.

الهوامش:

(1) نشر سامي الكيال على صفحته على الفايسبوك بتاريخ 17 شباط/فبراير 2013 الأوراق التأسيسية لفكرة المجالس المحلية في سوريا والتي كتبها الشهيد عمر عزيز أواخر العام 2011.

(2) نشر الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة السورية في شهر آذار عام 2014 اللائحة الداخلية المنظِمة للمجالس المحلية في المحافظات السورية، يمكن العثور عليها في موقع الائتلاف على الانترنت. من جهة ثانية، نشر موقع الحراك السوري السلمي الالكتروني خريطة تفاعلية لمختلف أشكال الحراك السلمي في سوريا من بينها توزع المجالس المحلية، وهي خريطة بحاجة للتحديث بسبب تغير واقع بعض المناطق التي استعادها النظام (داريا وحلب مثلا) أو سيطرت عليها داعش (مثل الرقة…).

(3) رزان غزاوي، النساء والثورة السورية، ترجمة وليد ضو، موقع المنشور الالكتروني، 3 نيسان/ابريل 2014