رغم هذه الفروقات في التجربة التاريخية بين مقاتلي الحرية الأميركيون الأفارقة والثوار السوريين، كلاهما يشترك مع الآخر في شيء: كلاهما تم التعامل معه كـ”آخر” منزوع الإنسانية، وكلاهما يعاني من أساليب النظرات المسبقة والتمييز العنصري التي تحاول هزيمة نضاله من أجل العدالة الاجتماعية.

.

فريدا افاري

21 تموز 2016

“عندما نثور ليس بسبب ثقافة معينة، بل نثور ببساطة لأننا لأسباب عدة لم نعد نستطيع التنفس.” – فرانز فانون

أذهلني أن كلاً من حركة “أرواح السود مهمة” في الولايات المتحدة ومؤلفي كتاب بلد يحترق: السوريون في الثورة والحرب* استعمل الاقتباس أعلاه من فرانز فانون لإظهار عالمية كل من النضالين.

لنأخذ عبارة فانون كنقطة انطلاق لنسأل عمّ يمكن للأميركيين الأفارقة الذين يصارعون ضد العنصرية\من أجل الكرامة الإنسانية والسوريين الذين شاركوا في الثورة السورية عام 2011 أن يتعلموا من بعضهم.

بالتأكيد تاريخ كل من الشعبين مختلف.

أسلاف الأميركيين الأفارقة كان حكام إفريقيا قد أخذوهم كأسرى حرب، وباعوهم كعبيد إلى التجار الأوربيين الذين أخذوهم إلى الأميركيتين قسراً للعمل في المناجم وفي المزارع منذ القرن السادس عشر. رغم أن الأميركيين الأفارقة شاركوا في الثورة الأميركية ضد الاستعمار البريطاني عام 1776، لم يعترف دستور الولايات المتحدة بهم ككائنات إنسانية كاملة، بل سمح باستمرار العبودية. عمل العبيد الأميركيين الأفارقة وضع أسس، وأصبح عنصراً أساسياً، من الرأسمالية الأميركية.** لقد قاتلوا ببسالة في الحرب الأهلية الأميركية 1861-65 وتمكنوا من إسقاط العبودية لكن خضوعهم للعبودية استمر باسم آخر وبنظام قانوني قائم على الفصل العنصري. شاركوا في حركة الحقوق المدنية التي أعطتهم بعض حقوقهم لكنهم ظلوا يواجهون العنصرية، والفصل العنصري القائم كأمر واقع، بالإضافة إلى الفقر وقسوة الشرطة والسجون.  حركة حياة السود مهمة، كتابات ونشاطات النسويات السود وناشطي المثليين\ات والثنائيي\ات الجنس والمتحولين\ات، وحركات العدالة البيئية تمثل التعبيرات الأخيرة عن هذا النضال.

كان السوريون جزءاً من الإمبراطورية العثمانية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، التي أصبحوا بعدها مستعمرة فرنسية. حتى بعد الاستقلال خلال فترة الحرب العالمية الثانية، خضعوا لأنظمة قومية عربية تسلطية من جمال عبد الناصر وحتى حزب البعث. النظام البعثي الذي أسسته السلالة الأسدية لاحقاً تأثر بكل من الستالينية والفاشية، وأبقى على شعبه تحت قانون الطوارئ خمسين سنة حرمهم خلالها من أبسط الحقوق الإنسانية. عام 2011، حين استلهمت أكثرية السوريين من الحراكات الديمقراطية في العالم العربي وتجمّعوا معاً في ثورة لإسقاط نظام الأسد، تم سحقهم بقسوة وشَنّت عليهم الثورة المضادّة حملتها بقيادة هذا النظام التي نتجت عن مقتل نصف مليون سوري، وأسر 150,000 وتهجير 12 مليون، كثيرون منهم لاجئون في بلدان أخرى ويتعرضون لنزع الإنسانية والتمييز العنصري.

رغم هذه الفروقات في التجربة التاريخية بين مقاتلي الحرية الأميركيون الأفارقة والثوار السوريين، كلاهما يشترك مع الآخر في شيء: كلاهما تم التعامل معه كـ”آخر” منزوع الإنسانية، وكلاهما يعاني من أساليب النظرات المسبقة والتمييز العنصري التي تحاول هزيمة نضاله من أجل العدالة الاجتماعية.

في سوريا، استعمل نظام الأسد لا القوة العسكرية فقط بل الانقسامات الإثنية والدينية بين السنيين والعلويين، وبين العرب والأكراد، وبين المسلمين والمسيحيين، من أجل تعزيز الكراهية والطائفية بين أولئك الذين دعموا ثورة 2011. الثوار العرب أيضاً لم يعرضوا رؤية تضمّنت حق تقرير المصير للأقلية القومية الكردية وبديلاً عن النظام الرأسمالي الاستغلالي التابع للأسد. وحشية النظام وطائفيته، وتدخل روسيا وإيران والسعودية وتركيا ودول الخليج، ومحدودية قوى المعارضة، كل ذلك خلق أرضية خصبة لصعود داعش والمنظمات الجهادية الإرهابية الأخرى في سوريا.

العنصرية في الولايات المتحدة استعملت لزرع الكراهية بين الطبقة العاملة البيضاء والأميركيين الأفارقة، الذين ينتمي معظمهم إلى الطبقة العاملة. قبل أكثر من خمسين سنة، قال د. مارتن لوثر كينغ عن نظام الفصل العرقي في الولايات المتحدة ” طائر نفسي أخبره [شخص أبيض] أنه لا يهم كم كان وضعه سيئاً، على الأقل هو أبيض، خير من أن يكون أسود”.*** عقلية مالكي العبيد هذه هي ما يستعمله دونالد ترامب لمنع البيض والأميركيين الأفارقة واللاتينين الذين يعانون من ظلم الرأسمالية من الاجتماع معاً في تحالف متعدد الأعراق من أجل العدالة الاجتماعية.

كيف يمكن لحركة حياة السود أن تساعد الثوار السوريين، وكيف يمكن للثوار أن يساعدوا الحركة؟

يمكن للثوار السوريين أن يشيروا إلى النضال الأميركي الإفريقي ضد الظلم العنصري والرأسمالي باعتباره “أميركا الأخرى”، والتي تحتاج إلى تضامن عالمي. يمكنهم أن يتحدوا أولئك الذين في الشرق الأوسط الذين يتماهون مع الولايات المتحدة والإمبريالية. العديد من الثوار واللاجئين السوريين عبروا أيضاً عن تضامنهم مع ضحايا الهجمات الإرهابية في أوربا والولايات المتحدة.

ناشطو حياة السود مهمة يمكنهم تحدّي السردية المهيمنة التي تقول إن مساعدة نظام الأسد ستنهي إرهاب داعش. يمكنهم الإشارة إلى الطبيعة الإرهابية بالدرجة نفسها التي لنظام الأسد، وأن يعلنوا تضامنهم مع   ثوریی سوريا العرب والأكراد الذين يعارضون كلاً من نظام الأسد وداعش بالإضافة إلى جميع الأصوليين الدينيين. حركة حياة السود مهمة يمكنها أن تعانق الثوار السوريين، ومن هم الآن لاجئون، وأن تنخرط في حوار معهم حول ما حصل للثورة السورية، وما المطلوب لإنهاء الحرب الآن، وكيف يمكن التأسيس للعدالة الاجتماعية في سوريا.

نظراً للطرق التي استعملها العنصريون من أمثال دونالد ترامب والعديد من قادة الولايات المتحدة، لاستعمال خطر الإرهاب بهدف تعزيز عسكرة المجتمع الأميركي وتأييد التخلي عن حركة الحقوق المدنية بشق الأنفس، من الحرج حقاً بالنسبة لحركة حقوق السود مهمة أن تقارب الأحداث في سوريا. الإرهابيون الجهاديون داخل وخارج الشرق الأوسط لا يمكن إيقافهم ما دام الأسد وحلفاؤه مستمرين في ذبح المدنيين والمعتدلين والمعارضة الثورية. في الوقت نفسه، التدخل العسكري الأميركي في الشرق الأوسط فقط جعل الأمور أسوأ.

بيّن لنا فرانز فانون أنه رغم أننا نثور “ببساطة لأننا لم نعد نستطيع أن نتنفس”، النضال من أجل العدالة الاجتماعية معقّد جداً. إنه يطالب بأن نتحدى الطبقة، والانقسامات العرقية\الإثنية والجنسية، خارج وداخل حركاتنا، وأن نرى دائماً نضالنا في سياق النضال العالمي من أجل التحرر الإنساني. في تلك الروح، حركة أرواح السود مهمة وحياة السوريين مهمة لا غنى لأي منهما عن الآخر.

فريدا افاري عضو في تحالف الاشتراكيين السوريين والإيرانيين، تعيش في لوس أنجلس وتتولى تحرير مدونة تقدميون إيرانيون في الترجمة.

هوامش:

*  Robin Yassin-Kassab and Leila Al-Shami.  Burning Country:  Syrians in Revolution and War.  Pluto Press, 2016.  See my review-essay about this book:

https://allianceofmesocialists.org/lessons-syrian-revolution-iranians-review-essay/

https://allianceofmesocialists.org/lessons-syrian-revolution-iranians-review-essay/?lang=ar

** كما كتب كارل ماركس في رأس المال: “بينما قدّمت لنا صناعة القطن في إنكلترا عمالة الأطفال، أعطت في الولايات المتحدة تنبيهاً للتحول الأبكر على مستوى العبودية الأبوية، نحو نظام الاستغلال التجاري. في الحقيقة كانت العبودية المقنعة لعمال الأجر في أوربا ضرورية، من أجل أن تكون مثالاً للعبودية الصافية والبسيطة في العالم الجديد”. رأس المال، المجلد الأول، 1976، ص.925

*** Martin Luther King Jr.  A Call to Conscience.  Eds. Clayborne Carson and Kris Shepard.  New York:  Warner Books, 2001, p. 124.