الكاتب/ة: فريدا أفاري
ترجمه‫/‬ته الى العربية‫:‬ وليد ضو
:مصدر   
https://www.al-manshour.org/node/8055?fbclid=IwAR0l9lhD_MPhsN_5VH8Sk0Cq8aPralaJMO9P1Rd8CboivXE7MwaBJE1okDs        

روهيني هينسمان. غير قابلة للدفاع: الديمقراطية، الثورة المضادة وسردية مناهضة الامبريالية، هايماركت، 2018

“إن التحالف بين الستالينيين الجدد… والفاشيين الجدد… هو نسخة القرن الـ 21 من معاهدة هتلر- ستالين” (ص. 52).

“فقد عارض ماركس الاستبداد والقوة العظمى لشوفينية روسيا القيصرية. بوتين هو قيصر حديث مع تصميمه على الشرق الأدنى بهدف إبعاد الغرب منه. هذا ما سماه لينين التنافس بين الامبرياليات.” مقتبس عن جو جيل، ص. 275.

هل أنت غاضب/ة من أكاذيب من يسمون أنفسهم باليساريين المناهضين للامبريالية الذين يدافعون عن فلاديمير بوتين وبشار الأسد؟ هل تريد الانخراط في إطار تضامن أممي يناضل من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتحول الثورية في البلدان التي عانت وتعاني من التدخل الامبريالي؟ إذن، عليك بقراءة هذا الكتاب.

روهيني هينسمان، هي رفيقة سيرلانكية اشتراكية نسوية وباحثة في المجال العمالي وتعيش في الهند، مناضلة منذ زمن بعيد في ميدان العدالة الاجتماعية الأممية، قدمت كتابا غنيا ومتقنا. استعرضت فيه حقائق وتحليلات حول الأحداث الجارية في سوريا والعراق وإيران وروسيا وأوكرانيا والبوسنة والهرسك وكوسوفو، تحثنا فيه على التفكير.

في هذه المراجعة، سأستعرض كتابها من خلال الإجابة عن الأسئلة التالية:

1. ما هي جذور ما يسمى بمناهضة الامبريالية؟

2. ما هي الامبريالية وما الذي يحفزها في عصر العولمة؟

3. ما الذي يمكن تعلمه من الدراسات الخاصة بـ: روسيا وإيران والبوسنة والهرسك وكوسوفو والعراق وسوريا.

4. كيف يمكننا إعادة تعريف مناهضة الامبريالية والتضامن الأممي على أسس اشتراكية إنسانية؟

1. ما هي جذور ما يسمى بمناهضة الامبريالية؟

تبدأ هينسمان بالتساؤل حول السبب الكامن وراء تكرار بعض ممن يسمى بمناهضي الامبريالية أكاذيب الحكام المستبدين؟ على سبيل المثال، ينفي الصحافي سيمور هيرش أن يكون بشار الأسد قد قصف بالسلاح الكيمائي المدنيين السوريين الأبرياء في سوريا. وقد التقت زعيمة حزب الخضر جيل شتاين بفلاديمير بوتين وأثنت عليه. كما وصف الصحافي جون بيلغر حركة ميدان الأوكرانية بأنها “فاشية”. وقد ساعدت الروابط التي تجمع مؤسس ويكيليكس، جوليان أسانج، بالدولة الروسية، دونالد ترامب خلال حملته في الانتخابات الرئاسية. فبحسب هينسمان، إن المدافعين عن “ما يسمى بمناهضة الامبريالية” يمثلون ثلاث فئات:

أ. أولئك “غير القادرين على التعامل مع التعقيدات،” بما في ذلك التعاطي مع وجود أكثر من مستبد. بالنسبة إليهم، يجب أن يكون الغرب هو المستبد الوحيد في جميع الحالات. ويعتقدون أن مهمتهم الوحيدة هي معارضة الامبريالية الأميركية. بالإضافة إلى ذلك، يعانون من “المركزية الغربية” والاستشراق. “ولا يرون أن الناس في أماكن أخرى من العالم لديهم الوكالة على أنفسهم وبالتالي يمكنهم أن يمارسوا القمع أو أن يناضلوا ضد القمع” (ص. 12).

ب. الستالينيون الجدد، أي المدافعون عن الامبريالية الروسية. أغلبهم توقفوا عن تصنيف أنفسهم كماركسيين. والعديد من الماويين يفكرون بذات الطريقة.

ج. الطغاة والامبرياليون الذين يتملكون وسائل إعلامية حكومية متطورة وجيدة التمويل مثل “روسيا تايمز” والتلفزيون الإيراني.

وتعتبر، من وجهة نظر تاريخية، أن ما قاد إلى نمو ما يسمى بمعاداة الامبريالية كان تحول الثورة الروسية عام 1917 إلى رأسمالية دولة مستبدة، فضلا عن مساعي ستالين لاعتبار رأسمالية الدولة بأنها “اشتراكية في بلد واحد”. فباسم “مناهضة الامبريالية”، برر ستالين ممارسات روسيا الامبريالية بحق القوميات غير الروسية ودول الجوار في أوروبا الشرقية. كما برر ستالين معاهدته مع هتلر عام 1939 التي منحته بعض المكاسب الامبريالية الآنية في مقابل منح هتلر الضوء الأخضر لمباشرة الحرب العالمية الثانية.

2. ما هي الامبريالية وما الذي يحفزها في عصر العولمة؟

خصصت هينسمان الفصل الأول من كتابها لاستعراض النظريات المختلفة للامبريالية من أجل التساؤل عما يميز الامبريالية اليوم في عالم أصبحت فيه الرأسمالية ظاهرة عالمية.

فتعرف الامبريالية بأنها “تدخل سياسي وأحيانا عسكري في بلد آخر بهدف إقامة نظام أو تمكين نظام يعمل أكثر لصالح المصالح الامبريالية أكثر من مصالح أي طبقة- حتى الرأسماليين- في بلده. وتسيّره القومية في البلد الامبريالي” (ص. 21).

بحسب وجهة نظرها، مع تنامي العولمة خلال الـ 1980ات، وعند نهاية الحرب الباردة مع انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، لم تعد الامبريالية والعسكرة تشكلان أي فائدة للرأسمالية، لأن الرأسمالية العالمية تتميز بالمنافسة بين الشركات المتعددة الجنسيات ولأن المنافسة والانتاجية ستعرقلهما الامبريالية والعسكرة (ص. 40).

ومع ذلك، فإنها تتساءل: “إذا لم تعد الامبريالية ذات فائدة للرأسمالية العالمية، فما الذي يفسر استمرارها؟” (ص. 47) وتعتبر هينسمان أن جزءا من الرأسماليين، المتورطين في الصناعة العسكرية لا يزال لديهم مصلحة في ذلك، أي في استمرار الامبريالية. والأهم من ذلك، تعتبر أن الشكل الحالي من الامبريالية ينبع من “الرغبة في التسلط على الآخرين، من خلال البنى بدءا من النظام الأبوي والملكية المطلقة وصولا إلى الامبراطورية، [التي] تسبق الرأسمالية بآلاف السنين” (ص. 48). الدافع الكامن وراء الامبريالية اليوم هو في الغالب أيديولوجي.

وهكذا، تجد هينسمان أن كتاب لينين الامبريالية: أعلى مراحل الرأسمالية (1917) قليل الفائدة لتحليل الامبريالية اليوم. تركيز لينين على أن الميزة الجديدة للامبريالية هي تصدير رأس المال، لا يبدو جذابا بالنسبة إليها. يبدو أنها باتت قديمة العهد في عالم تقوم فيه الاقتصادات الناشئة بتصدير رأس المال إلى الولايات المتحدة وأوروبا.

وتطرح هينسمان أسئلة مهمة تتعلق بما هو مميز حول الامبريالية اليوم وهل ما زال تحليل لينين مناسبا. ولذلك، من المهم للغاية عدم تجاوز هذه الأسئلة قبل الانتقال إلى بقية الكتاب.

كتب لينين كتابه عن الامبريالية عام 1917 في ذروة الحرب العالمية الأولى المدمرة. وقد قام الكتاب على تحليل ماركس لـ”القانون العام للتراكم الرأسمالي” في كتابه رأس المال المجلد الأول، ورأى في تحليله أن الامبريالية هي ثمرة الرأسمالية الاحتكارية. وقد اعتبر ماركس أن الرأسمالية، القائمة على الاغتراب وقيمة الانتاج، تؤدي إلى تركيز ومركزة رأس المال في عدد أقل من الأيدي وحتى في أيدي رأسمالي واحد أو شركة رأسمالية واحدة” في كل بلد. كان يتوقع أن تؤدي الرأسمالية الاحتكارية والحرب بين مختلف الرأسماليين الاحتكاريين من أجل السيطرة على رأس المال والهيمنة بهدف الحصول على المزيد والمزيد من فائض القيمة من العمل.

شهد لينين عام 1917 صعود الرأسمالية الاحتكارية والحرب العالمية الأولى، وهي حرب بين الامبرياليات، واضطر إلى القول إن تعريف الامبريالية باعتبارها تقوم على البحث على أسواق جديدة ليس مناسبا مع الواقع الجديد. في رأيه، كانت السمة الجديدة للامبريالية تجد جذورها في الرأسمالية الاحتكارية وتصدير الرأسمالية الاحتكارية لرأس المال إلى (أو الاستثمار في) الأماكن التي يكون معدل الربح فيها أعلى. وقد تكون هذه المناطق متخلفة النمو حيث تكون الأجور أقل والموارد الطبيعية أرخص، أو حتى في بلدان نامية.

أكثر من ذلك، على الرغم من أن الرأسمالية بحسب وجهة نظر ماركس ولينين، قد انتقلت نحو الرأسمالية الاحتكارية أو إلى خلق “الدمج الرأسمالي الدولي”، اعتبر لينين مثل ماركس أن المنافسة تتعايش مع الاتجاه نحو التركيز ومركزة الرأسمال في يد القلة. لهذا السبب لم يعتقد أن عولمة الرأسمالية ستجعل الامبريالية والعسكرة قليلة الشأن. بل على العكس من ذلك، شدد على أنها ستزيد من العسكرة وحروب أكبر بين الامبرياليات يتخللها هدنات قصيرة.

قد لا تتميز الامبريالية دائما بالدوافع الاقتصادية بل قد يكون الدافع إليها إيديولوجي أيضا. ومع ذلك، في ظل الرأسمالية المعولمة ونمو الاحتكار الرأسمالي ورأسمالية الدولة، لا تزال الامبريالية تتحرك في الدرجة الأولى بالبحث عن معدل أعلى من الربح أو من خلال المصالح الاستراتيجية التي تسهل الهيمنة الاقتصادية على المدى الطويل. في حالة الشرق الأوسط، يمكن تلمس هذه الدوافع في مشروع “طريق الحرير الجديد” الاستثماري الصيني، واستثمارات النفط والغاز الروسية، واستثمارات الولايات المتحدة في دول الخليج، وفي فلسطين المحتلة، فضلا عن التنافس بين السعودية والإمارات من جهة وإيران من جهة أخرى على السيطرة على رأس المال بالإضافة إلى مصالحهم الاستراتيجية المتنافسة.

سواء وافق المرء على مجمل تعريف هينسمان للامبريالية في عصر العولمة أم لا، لا يمكن إنكار أن عملها يقدم إضاءة وتحليلا لواقع الامبريالية والتنافس بين الامبرياليات في سوريا والعراق وإيران والبوسنة والهرسك وكوسوفو وأوكرانيا. هذه الحقائق هي ما سأتطرق إليها فيما يلي.

3. تحدي أكاذيب ما يسمى بمناهضة الامبريالية: روسيا وإيران والبوسنة والهرسك وكوسوفو والعراق وسوريا

يتألف القسم الأكبر من كتاب هينسمان من ست دراسات حالة تتناول فيها روسيا وأوكرانيا (عام 1917 إلى اليوم) والبوسنة وكوسوفو وإيران والعراق وسوريا مع التركيز على الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية. في كل حالة، تكشف هينسمان عن أكاذيب ما يسمى بمناهضي الامبريالية بإعطائنا فهما شاملا للأحداث.

في دراستها لحالة روسيا وأوكرانيا، قدمت بحثا أساسيا في عملية تحويل الثورة الروسية إلى نظام رأسمالية دولة مستبدة في عهد ستالين، وهجوم روسيا على القوميات غير الروسية وكذلك الحروب الامبريالية خارج البلاد. كما أنها تقدم حقائق مهمة عن بوتين كعميل للـ كي جي بي الذي بات اليد اليمنى لبوريس يلتسين في الـ 1990ات وقدم أوراق اعتماده للترشح للرئاسة من خلال شنه لحرب دموية ومدمرة على الشعب في الشيشان.

ما يسمى بمناهضي الامبريالية الذين يتجاهلون استبدادية بوتين، واغتياله للمعارضين الديمقراطيين وامبريالية نظامه، بما في ذلك هجومه ضد الحركة الديمقراطية في أوكرانيا وضمه لشبه جزيرة القرم، تعتبرهم هينسمان على أنهم ليسوا أقل سوءا من أولئك الذين يدعمون ترامب.

كما تقدم هينسمان تحليلا للثورة الإيرانية عام 1979 الكثير من التفاصيل حول كيفية استخدام الخميني لغة المعارضة للامبريالية الغربية للحصول على دعم جماهيري وتدمير ممنهج للقوى التقدمية والثورية في إيران. كما أنها تحمّل الكثير من القوى اليسارية الإيرانية مسؤولية دعم الخميني بشكل صريح أو ضمني باعتباره “معاديا للامبريالية”، وبالتالي تسهيل صعود الجمهورية الإسلامية وتحويل الثورة إلى ثورة مضادة. وبدأت الجمهورية الإسلامية في تطوير طموحاتها الامبريالية الخاصة التي امتدت أيضا إلى التدخل العسكري والسياسي في لبنان والعراق وسوريا واليمن حتى مع تعرض الشعب الإيراني على نحو متزايد للعقوبات الغربية والإفقار.

كانت حالة البوسنة والهرسك “أقرب مثال على ما بعد الحرب الباردة لأجزاء من اليسار الداعمة للقومية اليمينية العرقية الدينية” (ص. 95). فأنكر ما يسمى بمناهضي الامبريالية أن الصراع في البوسنة والهرسك وفي كوسوفو التي كان يقوده سلوبودان ميلوسيفيتش سيؤدي إلى بناء “صربيا الكبرى”. ومن ثم، عام 1992، عندما أجرت البوسنة والهرسك استفتاء وأعلنت عن استقلالها وانفصلت عن الحرب المستمرة بين صربيا وكرواتيا (التي كان زعيمها فرانجو تودجمان قوميا مثل ميلوسيفيتش)، انحاز العديد من اليساريين إلى جانب صربيا.

وعندما بدأت القوات العسكرية والميليشيات الصربية حملة تطهير عرقي ضد المسلمين البوسنيين والكوسوفيين، فضلا عن أعراق أخرى، فضلا عن اعتقال النساء والرجال المسلمين في معسكرات الاغتصاب والاعتقال، واصل يساريون مثل جايمس بتراس في دعم ميلوسيفيتش  فرفض بتراس النضال البطولي للبوسنيين وأراد الحفاظ على دولة متعددة الأعراق ووصفهم بـ”الأصوليين والإرهابيين” (ص. 114).

وعلى الرغم من تواطؤ الناتو والولايات المتحدة مع التطهير العرقي الذي شنه ميلوسيفيتش، إلا أنهما اتخذتا تدابير عسكرية ضد صربيا في مواجهة غضب عالمي، وألصق يساريون مثل ميشال شوسودوفسكي مسألة الحرب بالناتو. وقد ادعوا أن “الناتو هو من شن الحرب وليس الرئيس ميلوسيفيتش” (ص. 112). وحتى أن معظم اليساريين والاشتراكيين الذين لم يدعموا ميلوسيفيتش، قد حرروا أنفسهم من مسؤولية الانحياز إلى أي طرف وزعموا أن ما يحصل في البوسنة والهرسك وكوسوفو كان “حربا أهلية” وليس نضالا ضد الإبادة الجماعية والتطهير العرقي. على حد تعبير هينسمان، “كانت المرة الأولى في عالم ما بعد الاتحاد السوفياتي التي نلاحظ فيها هذا التقارب الواضح بين الستالينية الجديدة والفاشية الجديدة” (ص. 116).

إن معارضة هينسمان المبدأية لما يسمى بمناهضة الامبريالية لا تعني أنها تغض النظر عن دور الامبريالية الأميركية والغربية. يمكن ملاحظة هذا الالتزام في قول الحقيقة في نقاشها لحرب الخليج عام 1991 ولغزو الولايات المتحدة وبريطانيا للعراق عام 2003. في الحالتين، تقدم تفاصيل كثيرة عن الدور المدمر للولايات المتحدة التي أدت، سواء من خلال العقوبات والغزوات والاعتداءات العسكرية المباشرة، بشكل مباشر أو غير مباشر إلى مقتل ملايين المدنيين من العراقيين.

كما أكدت على أن غزو الولايات المتحدة وبريطانيا للعراق عام 2003 عزز في الواقع الأصولية الشيعية والسنية. كما زاد النفوذ الإيراني في العراق وسهل في انتشار الامبريالية الإقليمية الإيرانية ليس فقط في العراق ولكن أيضا في لبنان وسوريا. كما أنها وفرت ظرفا ملائما لظهور “الدولة الإسلامية” في العراق، وهو فرع من فروع تنظيم القاعدة المتطرف ضد الشيعة. وهكذا، على الرغم من أن ادعاءات بوتين وترامب بأن “أوباما وكلينتون قد خلقا داعش” هي في الحقيقة سخيفة، تؤكد هينسمان “إذا كنا نبحث عن دخان المسدس الذي يورط الامبريالية الأميركية في نشأة وانتشار داعش، [فالدعم الأميركي لحكومة ذات الأغلبية الشيعية والمدعومة من إيران التي ارتكبت تطهيرا عرقيا بحق السنة] أدى فعليا إلى ذلك” (ص. 173). هذا الوضع أدى إلى تحالف البعثيين العراقيين وأعضاء من القاعدة ضد أعدائهم المشتركين: الولايات المتحدة والأصولية الشيعية. هذا الحلف أصبح يعرف باسم الدولة الإسلامية، تم تسهيله بفعل شبكات من العلاقات التي أقيمت في السجون التي أدارتها الولايات المتحدة مثل سجن أبو غريب.

بعد إثبات معارضتها المبدأية لكل القوى الامبريالية، تحدت هينسمان بقوة الأكاذيب الزائفة لمناهضي الامبريالية عن الثورة السورية. وقد درست الثورة السورية التي انطلقت عام 2011 باعتبارها انتفاضة شعبية ضد الاستبداد والفقر والظلم. وناقشت كيف أن نظام الأسد لم يستخدم فقط الوحشية المطلقة والطائفية والحصار والتجويع لتدمير الثورة، ولكنه أيضا أطلق سراح المعتقلين الجهاديين من سجونه لمهاجمة الثوار وخلق علاقة تكافلية مع داعش لاحقا. وهكذا سمح لداعش بالحفاظ على مقرها في الرقة، كما باعت النفط والغاز إلى نظام الأسد من أجل حملة القتل والاغتصاب (ص. 221)، ولكن، مع ذلك، ظل نظام الأسد مسؤولا عن مقتل 90 بالمئة من القتلى في سوريا ما يشكل حوالي نصف مليون شخص، والتهجير الداخلي والخارجي لـ 12 مليون نسمة من سكان البلاد البالغ عددهم الإجمالي 24 مليون نسمة.

كما تحدت هينسمان الأسطورة القائلة بأن الولايات المتحدة أو القوى الغربية الأخرى قد أرادت الإطاحة بنظام الأسد. في أحسن الأحوال أرادوا أن يرحل الأسد دون إنهاء نظامه الذين وجدوه مفيدا لكونه يحافظ على “الاستقرار” في المنطقة (ص. 244). كما أن تركيا التي كانت تتمتع بعلاقات جيدة مع نظام الأسد قبل الثورة السورية، تدخلت في وقت لاحق لمهاجمة الكورد في الشمال. وعزز أردوغان من انتشار الأصولية الدينية. كما أن السعودية والإمارات الممولتين للإخوان المسلمين لم تدعما الانتفاضة الشعبية عام 2011 وأهدافها المتمثلة بتحقيق العدالة الاجتماعية.

وقدمت هينسمان تفاصيل واسعة حول دور الامبريالية الروسية والامبريالية الإقليمية الإيرانية في سحق الثورة السورية. قامت إيران وروسيا بتدريب الجيش السوري وزودته بالسلاح. وقدمت إيران عشرات الآلاف من القوات شبه العسكرية الشيعية التي فرضت الحصار وشنت هجمات برية. في 29 أيلول عام 2015، وفي الوقت الذي كان الخطر يقترب من نظام الأسد، شنت روسيا حملة من الضربات الجوية بناء على طلب من النظام الإيراني، في وقت زعمت فيه روسيا أن غاراتها الجوية كانت موجهة إلى داعش، كانت أكثر من 90 بالمئة من أهدافها التي استهدفتها مناطق مأهولة بالمعارضة المعتدلة.

بالنسبة لما يسمى بمعارضي الامبريالية مثل روبرت فيسك، وسيمور هيرش وجون بليغر، وباتريك كوكبيرن، وماكس بلومنثال الذين ينكرون أن نظام الأسد قد استخدم السلاح الكيماوي ضد المدنيين ويسمون جميع الثوار السوريين بأنهم أصوليين إسلاميين وجهاديين، فليس لدى هينسمان تجاههم سوى الاحتقار. حيث هم في صلب “المركزية الغربية”، ولا يرون أن للشعب السوري وكالة عن نفسه، ويعتبرون أن كل المشاكل تعود إلى مؤامرة أميركية تهدف إلى الإطاحة بالنظام، ولا يفهمون تعقيدات المجتمع السوري أو التناقضات الداخلية للثورة السورية. وبالفعل، إن فهمهم السطحي للواقع حيث ينظرون إلى كل التطورات من خلال نظرية المؤامرة، كل ذلك قاد قسما من اليسار المناهض للامبريالية إلى التكاتف مع اليمين في معارضة الثورات الديمقراطية. إن هذا التحالف الأحمر- البني الجديد يلوث أيديولوجياً الهواء، ويخلط بين الواقع والخيال، ويساهم في صعود الفاشية الجديدة مثل ترامب في “الديمقراطيات الليبرالية” الغربية. “ما لم يتغير هذا الوضع، إن تهديد الأنظمة الفاشية والاستبدادية يظهر أنحاء عديدة من العالم” (ص. 279).

4. كيف يمكننا إعادة تعريف مناهضة الامبريالية والتضامن الأممي على أسس اشتراكية إنسانية؟

بالنسبة إلى هينسمان، إن مواجهة الشمولية العالمية تتطلب متابعة للحقيقة وأخبارها، وإعادة الأخلاق والإنسانية إلى السياسة، والانخراط في نقد اشتراكي ثوري للرأسمالية، والنضال من أجل الديمقراطية بدلا من النظر إلى الاشتراكية على أنها مجرد احتلال للسلطة من قبل حزب ما.

إن نشر الأممية الثورية على حد تعبير الماركسي الأوكراني رومان روزدولسكي يعني الاعتراف بأن “بعيدا عن أي تحامل وطني، يجب على البروليتاريا في كل أرض أن تكتسب، من خلال جهد مستمر، الموقف الأممي الذي تتطلبه مصالحها التاريخية العامة” (ص. 288). عن هذه المسألة، تناقش هينسمان بشكل واسع وجهة نظر لينين حول أهمية الدفاع عن الأقليات القومية المضطهدة في تقرير مصيرها.

وتعتبر أن “الأممية يجب أن تتضمن معارضة مبدأية ليس فقط للعنصرية وكراهية الأجانب ولكن أيضا فصلا نظريا للعولمة عن النيوليبرالية” (ص. 288). إن مجرد معارضة العولمة تعني أن العمال في البلدان الأخرى هم أعداء. وهذا ما منع اليسار من مواجهة قومية ترامب وغيره من الشعبويين اليمينيين. بدلا من ذلك، على اليسار أن يقول: “لن تنجح أبدا في هزم النيولبيرالية، ناهيك عن الرأسمالية، ما لم تتشارك في ذلك مع العمال من دول أخرى” (ص. 289).

كما تنتقد هينسمان بطريقة مبررة طريقة معارضة اليسار للعولمة التي استعملها اليمين لكسب الدعم. وأود الإضافة إلى أن حركة “احتلوا”، من خلال اقتصار تعريف الرأسمالية إلى الأسواق الحرة والنيوليبرالية، سمحت لأشخاص مثل ترامب وغيره من الشعبويين القوميين في جميع أنحاء العالم باستخدام لغة مناهضة للعولمة لتعزيز فكرة أن رأسمالية الدولة الاستبدادية هي البديل. لم تقم حركة “احتلوا” بمواجهة الرأسمالية كنمط انتاج يحددها العمل الاغترابي/الميكانيكي. وبسبب ذلك، لم تتناول مسألة طريقة التغلب على الاغتراب الناجم عن نمط الانتاج الرأسمالي وكيف أن هذا الاغتراب يرتبط بالعنصرية والتمييز الجندري وكراهية النساء ورهاب المثلية. وبالتالي، اقتصرت معارضة الامبريالية، مرة أخرى، على معارضة الامبريالية الأميركية، وليس الامبريالية باعتبارها وليدة الرأسمالية.

إن التضامن الاشتراكي الأممي الحقيقي يتطلب خلق حوار وعلاقات فعلية مع النضالات ضد الرأسمالية والعنصرية والتمييز الجندري في بلدان أخرى، وليس فقط معارضة الإمبريالية لحكومة واحدة. في حالة إيران، البلد الذي يتعرض في الوقت عينه لعقوبات امبريالية وتهديدات حربية وينخرط في التدخل الامبريالي في سوريا والعراق ولبنان واليمن، يصبح الأمر أكثر أهمية لأن يكون التضامن الأممي قائما على معارضة كل القوى الامبريالية وخلق حوار بين نضال المضطهدين في كل بلد.

وأخيرا، تضامن المنظمات الإنسانية الاشتراكية الأممي الحقيقي يتطلب مناقشة بديل إنساني للرأسمالية والبطريركية والعنصرية.

آمل أن يبدأ المناضلون/ات الاشتراكيون/ات الذين/اللواتي قرأوا/ن نقد كتاب هينسمان لما يسمى بمناهضي الامبريالية هذا النقاش.

نشر النص باللغة الانكليزية في موقع تحالف الاشتراكيين/ات في الشرق الأوسط الالكتروني بتاريخ 10 أيلول/سبتمبر 2018