جوزیف ضاهر

نشر في:الثلثاء, نيسان 12, 2016

:المصدر

http://al-manshour.org/node/6897

في 17 اذار/مارس 2016، تأسسالنظام الاتحادي الديمقراطي لروجافاشمال سوريارسميا في المناطق التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) عقب اجتماع أكثر من 150 ممثلا عن الأحزاب الكوردية والعربية والآشورية في مدينة رميلان في شمال شرق سوريا. صوت المشاركون لصالح اتحاد ثلاثةكانتونات” (عفرين، كوباني، والجزيرة) التي معظم سكانها من الكورد.‬

يعارض نظام الأسد والائتلاف الوطني السوري هذا الإعلان، في حين أعلنت تركيا وواشنطن، رغم دعم الأخيرة لحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، أنهما لا يعترفان بالكيان الاتحادي. وقالت وزارة الخارجية السورية إنحكومة الجمهورية العربية السورية تحذر أي شخص يميل إلى تقويض وحدة الأرض والشعب السوري، ومشيرة إلى أنأي إعلان من هذا القبيل ليس له قيمة قانونية، ولن يكون له أي سند قانوني“. في المقابل، اعتبر الائتلاف الوطني السوري أن مبادرة حزب الاتحاد الديمقراطيغير شرعيةوغير مقبولة“. كما وقعت 69 مجموعة مسلحة، من ضمنها جيش الإسلام ومجموعات إسلامية ومن الجيش السوري الحر،  بيانا عارضت فيه المشروع الفيدرالي الكوردي.‬

على الرغم من أن تحقيق النظام الفيدرالي في سوريا هو مطلب غالبية الأحزاب الكوردية، لكن الأحزاب الكوردية في المجلس الوطني الكوردي عارضت هذا الإعلان. ويهيمن على المجلس الوطني الكوردي مجموعات سياسية قريبة من الزعيم الكوردي الإقطاعي مسعود برزاني في العراق. وهناك منافسة كبيرة بين حزب العمال الكوردستاني وبرزاني على الحياة السياسة الكوردية. ‬

حيث يعتبر المجلس الوطني الكوردي بأن الضمان الفعلي لوحدة الدولة السوريةهو الشكل الاتحادي الفيدراليوأكد المجلس في الوقت عينه، أنتفرد حزب الاتحاد الديمقراطيبهذا الإعلانمن طرف واحد وبعيدا عن الخصوصية القومية والجغرافيةسيلحق الضرر الأكبر بالنضال القومي والوطنيويبعدالشعب الكوردي عن تطلعاته القومية والوطنية المنشودة“. من جانبهم يؤيد العديد من الناشطين الديمقراطيين الكورد السوريين والمستقلين عن هذين الحزبين قيام نظام فيديرالي في سوريا، لكنهم أعربوا عن شكوكهم بهذا الإعلان، بسبب عدم وجود مشاركة من سكان هذه المناطق وعدم وجود سيرورة ديمقراطية.‬

ومن المؤكد أن المشكلة الأكبر هي في عدم المشاركة من الأسفل من السكان المحليين في صناعة هذا الإعلان. فقد تم تنظيم ذلك بدون إشراك السكان المحليين، من الكورد والعرب والآشوريين، لمعرفة آرائهم وتوقعاتهم، من النظام الفيدرالي. وكان القرار الذي اتخذ أساسا من فوق، لا سيما من حزب الاتحاد الديمقراطي، مع عدم وجود ديناميكية ديمقراطية، في حين تم استبعاد الأحزاب الكوردية الأخرى وغيرها في مناطق روجافا، يستمر في الوقت عينه، القمع والتجاوزات والانتهاكات لحقوق الإنسان ضد بعض الجماعات والنشطاء الديمقراطيين.‬

وعلاوة على ذلك، يحافظ حزب الاتحاد الديمقراطي على قنوات اتصال مفتوحة مع نظام الأسد منذ بدء الانتفاضة عام 2011، ويتحالف مع قوات النظام في مدينتي القامشلي والحسكة، على الرغم من المواجهات بينهما من وقت إلى آخر. كما دعم التدخل العسكري الروسي في سوريا في تشرين الأول/أكتوبر 2015. واستفادت القوات المسلحة لحزب الاتحاد الديمقراطي من التدخل الروسي لتسيطر على مناطق جديدة في ريف حلب. بالإضافة إلى ذلك، لم تذكر الوثيقة التأسيسية لإعلانالنظام الاتحادي الديمقراطي لروجافاشمال سورياالسيرورة الثورية السورية الجارية، ولم تتحدث إلا عن الحرب والقوى الأصولية الإسلامية المدعومة من قوى إقليمية.‬

ترى الغالبية العظمى من المجموعات العربية السورية المعارضة لنظام الأسد في الفيدرالية خطوة نحو الانفصال والانقسام. وظهر ذلك في العديد من اللافتات في مظاهرات الأسابيع الأخيرة في مختلف المناطق المحررة من سوريا مثل حلب ودوما أو داعل.‬

في هذا الوقت ما زالت معظم المعارضة السورية تنكر حق تقرير المصير عن الشعب الكوردي وخصوصا الائتلاف الوطني السوري، بدعم من الدول الغربية وتركيا، ودول الخليج. رفض الائتلاف الوطني السوري مثلا طلب المجلس الوطني الكوردي إضافة مطلب تحقيق نظام فيدرالي في سوريا إلى برنامجه. كما لم يدين الائتلاف هجمات القوى الإسلامية الرجعية، من ضمنها جبهة النصرة، ضد المناطق الكوردية. علاوة على ذلك، صمت أو دعم الائتلاف النظام التركي في حربه ضد الشعب الكوردي وحزب العمال الكوردستاني في تركيا. فالرئيس السابق للمجلس الوطني السوري، جورج صبرا، قال إن حزب العمال الكوردستاني هو منظمة إرهابية، ومن جهته قال الرئيس السابق للائتلاف، خالد خوجة، بعد فوز إردوغان بالإنتخابات في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، إنهبركة للثورات العربية“. أيا كان الرأي من حزب العمال الكوردستاني وممارساته في سوريا، فإن ذلك لا يمكن أن يضعنا إلى جانب الحكومة القمعية التركية التي تقتل وتقمع بشكل وحشي الشعب الكوردي والديموقراطيين في تركيا، وفي هذه الظروف حزب العمال الكوردستاني في تركيا وحزب الشعوب الديمقراطي، على الرغم من موقفهما غير الكافي من الثورة السورية، يواجهان ظلم الحكومة التركية الاسلامية والقومية الشوفينية.‬

بين النظام وهذه المعارضة، هناك تنافس شوفيني وعنصري ضد الشعب الكوردي في الخطاب السياسي. مثلا: نظّم المجلس المحلي في مدينة عامودا بالحسكة، في نهاية آذار/مارس 2016، وقفة احتجاجية للتنديد بتصريحات رئيس وفد المعارضة في جنيف، أسعد الزعبي، ورئيس وفد النظام، بشار الجعفري، عن الكورد في سوريا. عضو المكتب السياسي في حزبيكيتيالكوردي، قال، إن هذا الاعتصام هواحتجاج على التصريحات الأخيرة، ورفض للعقلية البعثية التي تمارس الإقصاء بحق مكونات الشعب السوري“. فيما قال رئيس المجلس المحلي، التابع للمجلس الوطني الكوردي، لـسمارت، إننا نتظاهراحتجاجاً على التصريحات الشيفونية والعنصرية من بعض الأشخاص الذين لا يمثلون إرادة الشعب السوري“. وكان رئيس وفد المعارضة في جنيف، أسعد الزعبي، صرّح لراديوأورينت، في وقت سابق، إنالكورد يشكلون 1 بالمئة من عدد السكان، وكانوا يتمنون في عهد الرئيس حافظ الأسد الحصول على ورقة تثبت أنهم بني آدمين“. وتابع رئيس المجلس، يونس أسعد: “نحن لا نقبل هكذا عقلية (…) نحن متمسكون بحقوقنا القومية الكوردية كباقي المكونات الأخرى، ونريد سوريا ديمقراطية فيدرالية تعددية“. كما قال رئيس وفد النظام في جنيف، بتصريحات سابقة، إنمن يفكر بالفيدرالية فليتناول حبوب البنادول، في حين قال رأس النظام في سوريا بشار الأسد، إنالكورد يشكلون نسبة 23 في المئة في مناطق تواجدهم“.‬

في نفس الوقت، علينا أيضا أن نفهم أن المطالبة بنظام اتحادي من قبل الأحزاب السياسية الكوردية السورية جاءت بفعل عقود من قمع الدولة على أساس عنصري، وبسبب سياسات الاستعمار في إطارالحزام العربيوالقمع الثقافي، ولأسباب اجتماعيةاقتصادية أيضا. وكانت أكثر المناطق فقرا في البلاد مناطق معظم سكانها من الكورد كما هو الحال في الجزيرة. المنطقة التي سجل فيها أعلى مستوى من الفقر 58 بالمئة وهذا كان قبل حدوث الجفاف عام 2004، ولأعلى مستوى نسبة أمية. في عام 2010، ارتفعت نسبة الفقر لتصل إلى 80 في المائة من سكان الجزيرة. وبالإضافة إلى ذلك، أنتجت الجزيرة على سبيل المثال ثلثي الحبوب في البلاد (70 بالمئة من القمح) وثلاثة أرباع من الهيدروكربونات في سوريا. وعلى الرغم من التخلف الصناعي في الجزيرة، وندرة المنشآت الصناعية في المنطقة التي تضم 7 بالمئة فقط من مؤسسات القطاع العام، كانت المنطقة برغم ذلك هامة. على سبيل المثال، تم إنتاج 69 في المائة من القطن السوري في المنطقة، ولكن تم نسج 10 في المائة فقط من خيوط القطن هناك. بالطبع، كل الجماعات العرقية في المنطقة، العرب والآشوريين والكورد، تعاني من انعدام كافة خدمات الدولة ومن الفقر، ولكن الكورد عانوا من قمع مزدوج، سياسي واجتماعي.‬

لذلك، تستدعي مواقف معظم المعارضة السورية الشجب لأنه يجب علينا أن نتذكر عقودا من القمع السياسي والاجتماعي والثقافي للشعب الكوردي في سوريا وسياسات التعريب في المناطق الشمالية من سوريا التي فرضها نظام الأسد. ناهيك عن صمت جزء كبير من المعارضة خلال الانتفاضة الكوردية في سوريا في عام 2004، حين اتهمت بعض الكورد بخدمة المشاريع الخارجية لإضعاف سوريا. وصمت هذه المعارضة لا يزال مستمرا على سبيل المثال أمام الجرائم ضد الكورد كما هو الحال في حي الشيخ مقصود في حلب. حيث يتعرّض هذا الحي، منذ منتصف شباط/فبراير الماضي، لقصفٍ مدفعي من جانب عدة فصائل معارضة أبرزها جبهة النصرة، وجيش الإسلاموالجبهة الشامية، أسفر عن مقتل وجرح المئات معظمهم من المدنيين. أكثر من ذلك اعترف جيش الاسلام، وهو إحدى القوى الرجعية للثورة المضادة، أن أحد قادته استخدم سلاحاً غير مصرّح به خلال مواجهاتٍ مع وحدات حماية الشعب في حي الشيخ مقصود ذي الغالبية الكوردية بمدينة حلب.‬

هذه المشاكل السياسية هي أمور أساسية لفهم ارتفاع شعبية حزب الاتحاد الديمقراطي في المناطق ذات الأغلبية الكوردية، بالإضافة إلى قوتها العسكرية، والفجوة المتنامية بين السكان العرب والكورد والتي تتجاوز مسألة حزب الاتحاد الديمقراطي. ‬

العديد من النشطاء والأفراد من أصل كوردي الذين يعارضون سياسات وممارسات حزب الاتحاد الديمقراطي، يعارضون أيضا بشدة هذه المعارضة التي تستنسخ خطاب وممارسات نظام الأسد.‬

ختاما، بخصوص المسألة الكوردية في سوريا، نحن ندعم حق تقرير المصير للشعب الكوردي في سوريا وفي الدول الأخرى. وهذا لا يعني، ألا نلقي نظرة ناقدة على سياسات هذه الحركات، من حزب الاتحاد الديمقراطي أو أي حزب كوردي أخر. يبدو من الضروري أن نكرر أن أي احتمال لتقرير المصير للشعب الكوردي وتحسين الظروف المعيشية للشعب الكوردي، أو الأقليات العرقية أو الدينية الأخرى في سوريا وبالمنطقة، يرتبط بتعميق وبانتصار للسيرورة الثورية السورية وتحقيق أهدافها ضد نظام الأسد والقوى الإسلامية الرجعية. هزيمة الثورة السورية والحركة الشعبية ستمثل نهاية تجربة روجافا والعودة إلى العصر القمعي للكورد في سوريا، مثل بقية الشعب السوري. ‬

قضية الأقليات القومية هي أساسية في أي ثورة. استقطب البلاشفة، ثوريو روسيا، الأقليات القومية فيها، والتي كانت تعتبر أكبر سجن للشعوب، لبرنامجهم السياسي الثوري لأنهم أكدوا ودعموا بشكل راديكالي حق تقرير المصير للأقليات القومية المضطهدة. وقد مكنت هذه الوحدة بين الثوار والشعوب المضطهدة من انتصار الثورة في أكتوبر عام 1917 في روسيا. ويشكل ذلك درسا تاريخيا لنا اليوم في سوريا والمنطقة.  ‬

وحدة واستقلال الطبقة العاملة دون تمييز عرقي وطائفي وغيرها في سوريا وأماكن أخرى هي السبيل الوحيد لتحرير وتحرر جميع الشعوب، بما في ذلك الكورد.‬