٣ كانون الثاني/يناير ٢٠٢٠
في صباح يوم ٣ كانون الثاني/يناير، وبأمر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من دون أي موافقة من مجلس النواب الكونغرس، استهدفت صواريخ أمريكية قافلة بالقرب من مطار بغداد وأدت إلى قتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، وقائد ميلشيا رفيع المستوى ومؤسس ميليشيا كتائب حزب الله، أبو مهدي المهندس، وستة آخرين على الأقل. وصرحت وزارة الدفاع الأمريكية أن الهجوم أتى ردا على الهجمات المخطط لها من قبل إيران على مراكز أمريكية عسكرية في العراق خلال الأشهر الأخيرة، من ضمنها هجوم وقع يوم ٢٧ كانون الأول/ديسمبر على مركز عسكري عراقي في مدينة كركوك والذي أودى إلى قتل متعهد أمريكي وجرح أربعة جنود أمريكيين. يتواجد ٥٣٠٠ جندي أمريكي في العراق حاليا. ويتجه أكثر من ثلاثة آلاف إلى الشرق الأوسط. ومنذ شهر أيار/مايو الماضي وصل إلى المنطقة ١٤ ألف جندي إضافي.
دعمت جريدة الوال ستريت جورنال الأمريكية فكرة اغتيال قاسم سليماني في مقال لهيئتها التحريرية التي دعت ترامب أيضا لمهاجمة الميليشيات الإيرانية في سوريا. سليماني نفسه تحدى ترامب في شهر حزيران/يونيو من خلال مخاطبته ببيان وقوله “أنا ولواء القدس خصومك.”
هذه الضربة الأمريكية تبعت هجوم يوم ٣١ كانون الأول/ديسمبر نفذه آلاف المتظاهرين الذين لبوا دعوة ميليشيات الحشد الشعبي الموالية لإيران من خلال دخول المنطقة الخضراء في بغداد الشديدة الحراسة واقتحام السفارة الأمريكية وإحراق مدخلها ردا على ضربات أمريكية وقعت يوم ٢٩ كانون الأول/ديسمبر على مراكز كتائب حزب الله الموالية لإيران على الحدود العراقية-السورية والتي أدت إلى قتل ٢٥ وجرح ٥٠ مقاتلا.
في حزيران/يونيو ٢٠١٩ ألغى ترامب اعتداء عسكريا أمريكيا على إيران كان هدفه الرد على إسقاط إيران لطائرة بلا طيار أمريكية. حيث قررت إدارته عدم الرد على هجوم إيران يوم ١٤ أيلول على مراكز نفط سعودية وهجمات أخرى على ناقلات نفط في منطقة الخليج نسبت لإيران. ترامب نفسه أكد أنه لم يعد مهتما بإسقاط النظام الإيراني ولكنه أراد الاستمرار بفرض العقوبات المدمرة على إيران لإجبار الحكومة الإيرانية على تغيير تصرفاتها.
تكشف آخر التطورات أنه بغض النظر عن إرادة القيادات الامبريالية، فاندفاع القوى الرأسمالية-الإمبريالية على التنافس وفرض تفوقها له منطقه الخاص.
بالنسبة للحكومة الإيرانية، كان قاسم سليماني ثاني قائد بعد آية الله الخامنئي ومهندس التدخل الإيراني الدموي في سوريا كما أنه كان القائد الأساسي في العراق. فتوعدت إيران بالانتقام القاسي. في حين أصدر حليفها اللبناني حزب الله تهديدا مشابها. ويخوض الكيان الصهيوني حربا منخفضة الحدة مع إيران من خلال استهداف المراكز الإيرانية في سوريا والعراق وحزب الله اللبناني. وقد يضرب الكيان الصهيوني إيران مباشرة إذا احتاج لذلك.
أكثر ما يقلق في هذه التطورات الأخيرة هو أنها يمكن أن تؤدي إلى نتائج كارثية وحرب شاملة. هذا بدوره سيطغى على موجة الانتفاضات التي اندلعت في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال عام ٢٠١٩، من السودان والجزائر إلى العراق ولبنان وإيران. كل هذه الانتفاضات عارضت الامبريالية والسلطوية والنيوليبرالية والفقر والفساد والتطرف الديني والطائفية. حيث كانت النساء نشيطات في المظاهرات وغالبا ما كُنَّ في الطليعة. وكانت أغلبية المشاركين/ات من الجيل الشاب ومن الطبقة العاملة والعاطلين/ات عن العمل. هم ليسوا راضين عن مجرد الإطاحة شخصيات قيادية ولكنهم يطالبون بتغيير النظام الاجتماعي-الاقتصادي والسياسي. لكل هذه الأسباب قد تؤشر الانتفاضات لبداية فصل تقدمي وثوري جديد للمنطقة ككل بالرغم من وجود صعوبات وتحديات كبيرة.
ولكن الحكام والأنظمة السلطوية لن تفسح المجال بسهولة. في العراق بدأت موجة من المظاهرات الشعبية يوم ٢ تشرين الأول/أكتوبر. وقد هاجمت الحكومة العراقية المدعومة إيرانيا الجنوب الشيعي بشراسة بدعم من الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعية المتطرفة المنضوية تحت الحشد الشعبي والتي تضم كتائب حزب الله. وتلقى الانتفاضة تأييدا بسيطا ولكنه يتعاظم من المناطق السنية العربية والكردية. وقد سقط حتى الآن ٥٠٠ قتيل وجرح أكثر من ١٩ ألف.
في إيران، قمع الحرس الثوري الإيراني والقوات الحكومية بشراسة المظاهرات الشعبية التي اندلعت ١٥ تشرين الثاني/نوفمبر ضد رفع أسعار النفط والداعية إلى إطاحة الجمهورية الإسلامية وإلى إنهاء تدخلاتها في المنطقة. حسب وكالة رويترز تم قتل ١٥٠٠ متظاهر خلال أربعة أيام. واعتقال ما بين الـ٨ والـ١٠ ألف من المتظاهرين/ات الشبان ولم يسمع عن أغلبهم. الكثير من المعتقلين/ات السياسيين/ات ضمنهم النقابيين/ات والنسويات والأقليات المضطهدة ما زالوا عالقين في السجون من مظاهرات سابقة. على الاشتراكيات/ين حول العالم التواصل معهم ومع المتظاهرين/ات الثوريين/ات في العراق ولبنان والسودان والجزائر ودعمهم/ن.
الفرح الذي عبر عنه البعض إزاء موت المجرم الرجعي قاسم سليماني مفهوم في ظل دوره في قمع الفئات الشعبية في إيران وسوريا والعراق وفي توسع العسكرة الإيرانية ودورها في المنطقة. لكن اغتياله لا يعكس أي معطى إيجابي للانتفاضات الشعبية في العراق والمنطقة.
هذا العمل الأمريكي الإمبريالي لم يكن لمصلحة الشعب العراقي. على العكس نتيجة هذا العمل الإمبريالي ستكون زيادة خطر تعطيل الانتفاضة الشعبية في العراق. التهديد ليس أن المظاهرات العراقية ستتجه ضد الولايات المتحدة فقط بعد عملية الاغتيال هذه. حتى الآن أغلبية المظاهرات قد عارضت جميع القوى الخارجية وإيران والولايات المتحدة بالأخص. قد تطغى حركة أخرى تتحكم بها وتنظمها إيران بحجة عملية الاغتيال حتى يتم حصر المطالب بمغادرة الولايات المتحدة دون تحدي النظام الطائفي والرأسمالي. الخطر هو أن التصعيد الأمريكي-الإيراني سيهيمن على جميع المشاكل الداخلية في العراق وسيجعل من العراق ساحة مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران.
ستعاني جميع الانتفاضات الشعبية في العراق وإيران ولبنان بينما الحكام الذين أدانهم المتظاهرون/ات سيحاولون استخدام الأزمة في محاولاتهم للبقاء في السلطة.
حيث تنبئ ردود أفعال المسؤولين العراقيين والشخصيات السياسية المقربة من إيران بذلك. فقد أدان رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، الذي أعلن استقالته بعد المظاهرات الشعبية، عملية القتل على أنها انتهاك لشروط الوجود الأمريكي في العراق واعتبرها عملا عدوانيا ينتهك السيادة العراقية وستؤدي للحرب. من جهته، أمر القائد الشيعي العراقي مقتدى الصدر مناصريه بالتأهب لحماية العراق خلال نعيه لسليماني.
في ظل كل هذه التطورات، لن تكون معارضة الضربات الإمبريالية الأمريكية والتهديدات بالحرب ضد إيران والعراق فعالة إلا إذا كانت متجذرة بالتضامن مع القوى التقدمية والثورية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأن تعارض في الوقت عينه جميع الحكومات السلطوية والقوى الامبريالية في المنطقة.
نحن نعارض جميع القوى الامبريالية العالمية والمحلية وجميع المستبدين!
كل التضامن مع الانتفاضات الشعبية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبقية العالم!
مصائرنا مترابطة!
تحالف الاشتراكيين/ات في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا