May 27, 2016
المصدر:
https://syriafreedomforever.wordpress.com/2016/05/27/عن-الثورة-السورية-والمسألة-الكوردية-ح-3
جوزف ضاهر: لنبدأ بمشاركتك في انتفاضة القامشلي عام 2004 (إذا كنت شاركت فيها) والثورة السورية التي بدأت عام 2011. لماذا شاركتَ فيهما وماذا كان دورك؟
آلان حصاف: في آذار 2004 كنت طالباً في جامعة حلب، جَمَعَت الكرد في كل المدن السورية أيام عصيبة، رصاص حي في المدن الكردية وشهداء ومظاهرات في كل بقعة تواجدوا فيها. في حلب كان قمع النظام سيد الموقف، حوصرت الجامعة والمدينة الجامعية، واعتقل العديد من النشطاء المنظمين، ما ولّد شعوراً إضافياً بالغربة عن المجتمع السوري، اذكر أسماء الأصدقاء العشرة العرب الذين تضامنوا مع الاحتجاجات الكردية التي تواصلت لعدة أيام في جامعة حلب، ما عدا ذلك كان كل ما تلقيناه استهجاناً من الشارع العربي الذي لم يكتف بالوقوف على الحياد بين الطرفين، بل شارك بتخوين الكرد الذين تطاولوا على سوريا “المقاومة” و”قلب العروبة”
في الأعوام التي تلت، كانت الثورة السورية الحلم الدائم لي ككردي وكسوري، وأقصى ما تمنيته يوماً، شاركت في المظاهرات في قامشلو وفي دمشق أيضاً، ومع مرور الأشهر الأولى بدأت الحاجة إلى التنسيق تبرز أكثر فأكثر، شاركت مع بعض الزملاء في تأسيس اتحاد طلبة سوريا الأحرار، والذي كان حينها أحد المنابر القليلة التي اعتمدت على السلمية المطلقة واللاطائفية والتركيز على مبادئ الثورة الأولى. لأصبح فيما بعد ناطقاً إعلامياً باسم الاتحاد. كما عملت كعضو في لجان التنسيق المحلية. وفي أيام الحرية. للأسف لم تكن قراءتنا لواقع الأمر صحيحة كما ظهر لاحقاً، فمع طول أمد الثورة وتدخل الأطراف الدولية بأشكال مختلفة سواء لدعم النظام أو لدعم الثورة، قُضي على أي دور مؤثر من المحتمل أن يمارسه الحراك المدني، فساد صوت السلاح والمال السياسي
كما تعرضت الجهات المدنية لضغوط هائلة وبأشكال مختلفة من النظام من جهة ومن المعارضة أيضاً، وزدادت كمية الدماء التي أريقت من حجم الكره ومن أعداد دعاته أيضاً، حتى بلغت اللحظة التي شعرت فيها بأنني لا انتمي لاتحاد الطلبة الذي كان قد توزع حينها في 22 مدينة سورية لتنسيق عمل الطلبة، ولا إلى لجان التنسيق المحلية التي التزمتت السلمية إلى حد بعيد، بينما لم يعد للتنسيقيات دوراً محورياً كما كان عليه الأمر في البدايات
هل لك أن تخبرنا أكثر عن الانتفاضة الكردية عام 2004؟
على عكس الجزأين التركي والعراقي من كردستان التاريخية، واللذين تعرض فيهما الكرد لضغوطات مباشرة وراديكالية العنف، والذي أدى إلى اندلاع ثوارت كردية عديدة خلال القرن العشرين، فإن سياسة مختلف الأنظمة التي مرت على سوريا منذ عهد جمال عبد الناصر وما تلاها من حكومة الانفصال وحزب البعث لاحقاً كانت مختلفة بعض الشيئ، فقد مارست تلك الحكومات أقصى ما أتيح لها من ضغوطات دون أن تخل بالتوازن لمنعها من الوصول إلى درجة الانفجار والثورة، فبُذِلت جهوداً حثيثة لتعريب كل تفاصيل المنطقة الكردية في سوريا، وأخذت أراضي الكرد في الشريط الحدودي لتوزعها على عرب استجلبوا من منطقة حوض الفرات، ومنعت اللغة والثقافة الكرديتان، إضافة إلى منع أي تعبير سياسي أو مدني علني يتعارض مع المغالاة في العروبة السياسة التي انتهجتها هذه الأنظمة المتتابعة. فكانت انتفاضة قامشلو نتيجة لتراكم عقود من القمع الذي مورس على الكرد السوريين، إضافة إلى الظلم العام الذي تساوى فيه السوريون في التعرض له
لنتعمق قليلاً في هذه النقطة، كيف ترى موقف المعارضة السورية من المسألة الكردية؟
حسب اعتقادي، فإن المعارضة السورية لم تكلف نفسها بالبحث مطولاً لإيجاد حلول جدية وصادقة للقضية الكردية، فكانت في معظمها حلولاً ترقيعية وتأجيلاً للقضيةلالاؤ عوضاً عن حلها. إذ ترى معظم أطياف المعارضة السورية أن حل هذه القضية يبدأ من تصنيفها كإحدى قضايا الأقليات، التي تمتاز فقط بلغتها المختلفة عن العربية في حين أنها جزء من الشعب السوري الواحد، ومن ثم طرح الحلول على أساس هذه النظرة، من قبيل أن “المواطنة” أو “سيادة القانون” ستفي بالغرض في سوريا المستقبل. في حين أن القضية أعمق من ذلك بكثير، ففي الوعي الجمعي الكردي؛ تأسست سوريا كدولة وكيان سياسي دون أخذ رأي المجتمعات التي تعيش فيها، ومن ضمنهم الكرد، وكردستان جزئت – كما جزئت الدول العربية – وانطلاقاً من هذه الرؤية فإن سوريا بالنسبة للكرد هي وطن جامع لعدد من القوميات والأطياف، والسبيل الوحيد للحفاظ على وحدتها والتأسيس الصحي لهوية سورية محتملة هو العمل بشكل جدي على رؤية سوريا المستقبلية كدولة اتحادية تٌبنى على عقد اجتماعي وسياسي جديد، تحقق مصالح كافة الأطراف في العيش المشترك. وعليه فإنه ليس ثمة هوية سورية للكرد دون تحقيق الهوية الكردية دستورياً بأبعادها الجغرافية والثقافية والسياسية والاقتصادية. ومن هنا فإن الفجوة بين طروحات المعارضة العربية والوعي الجمعي الكردي لا تزال عميقة، فعلى الرغم من أن المعارضة السورية تسعى – أو تدعي السعي – نحو تحقيق سوريا جديدة، فإن “ماهية” هذه الـ “سوريا” لا تختلف في جوهرها عن رؤية النظام للبلاد خلال العقود التي مضت
كيف تطور الوضع في المناطق الكردية منذ بداية الثورة؟ كيف تعامل نظام الأسد مع الحراك الشعبي في هذه المناطق؟ كيف هي العلاقة بين المجموعات الكردية المختلفة والثوار السوريين، الجيش الحر، القوى الإسلامية، إلخ؟
اذكر أن المظاهرة الأولى في قامشلو بعد بدء الثورة السورية كانت في مطلع نيسان من العام 2011، بعد أقل من أسبوعين من انطلاق أولى المظاهرات في درعا، حينها كان للشباب الدور الرئيس في تنسيق المظاهرات، لتتواتر بشكل أسبوعي ودائم في قامشلو وكافة المدن الكردية، وكان للتنسيقيات الكردية تنسيق وتعاون عالي مع نظيراتها في باقي المدن السورية عبر مختلف الشبكات المتوفرة للتنسيق بينها، كلجان التنسيق المحلية والهيئة العامة للثورة وغيرها
وفي الوقت الذي قمع فيه النظام المظاهرات بالرصاص الحي في عدد من المدن الأخرى، فإنه اكتفى بأدوات قمع أقل عنوة في التعامل مع المظاهرات التي شهدتها المناطق الكردية، فبالإضافة إلى استعمال الغاز المسيل للدموع والضرب وإطلاق الرصاص فوق رؤوس المتظاهرين لتفريقهم، لم تمض مظاهرة دون أن تعتقل قوات النظام بعض الأشخاص سواء أثناء التظاهر أو من خلال مداهمات لاحقة – ولا يزال البعض من معتقلي تلك الفترة مغيبين حتى اللحظة –
لاحقاً، ومع بدايات تشكيل “الجيش الحر” كان الشارع الكردي الثائر وتنسيقياته وحراكه السياسي حاملاً لأمل حقيقي في تشكيل جيش سوري حر يعبر عن قيم الثورة، فرحّب الشارع الكردي ببيان حسين الهرموش على سبيل المثال. قبل أن يتحول الجيش الحر إلى كتائب مختلفة تتلقى دعماً من جهات مختلفة، تركية وقطرية وسعودية …إلخ، لتتحول البلاد إلى ساحة حرب في ظل الدعم الذي قدمته إيران وحزب الله للنظام، حربٌ بين قوى عسكرية لها أجندات ومصالح بعيدة عن أولوية ومصالح الشعب السوري. كان للمال السياسي والسلاح والذخيرة الدور الأكبر في تحول الجيش الحر الذي أسس للدفاع عن المدنيين في المظاهرات، إلى كتائب تسمى بأسماء الصحابة وأحفادهم، ما أبعد الشارع الكردي عن المعارضة السورية المسلحة نتيجة عدم تقبل الشارع الكردي للقوى العسكرية الإسلامية لأسباب فكرية ومجتمعية وتاريخية لسنا في معرض الحديث عنها.
ما رأيك في حزب العمال الكردستاني بشكل عام؟ وما رأيك بالإدارة الذاتية والحكم الذاتي في كردستان سوريا؟
كما كل الأحزاب الأخرى له العديد من الجوانب الإيجابية والسلبية، ففي الوقت الذي قاد فيه نضالاً ضد الدولة التركية طوال ثلاثين عاماً مضت، وكانت كوادره على أقصى درجات التنظيم والتضحية. فإنه يبقى حزباً أيديولوجياً يسعى إلى بناء نظام شمولي يلغي فيه الحريات الفردية والجماعية، وهذا ما يقوم به في كردستان سوريا أيضاً. فمن ناحية كان لحزب العمال الكردستاني وجناحه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي دوراً في حماية المنطقة الكردية من المتطرفين الإسلاميين، لكنه أسس لنسخة كردية من الأنظمة الشمولية الأخرى في المنطقة خلال الأعوام الثلاثة الماضية. نظاماً يعتمد على الأمن والسيطرة على مفاصل الاقتصاد والسياسة والجيش. كما ألغى أي دور مؤثر لأي منافس سياسي، وحجّم دور المجتمع المدني ومنعه بطرق مختلفة عن العمل بحرية وبشكل مؤثر في الشأن العام. ومع كل يوم يمر تزداد مقدرات حزب الاتحاد الديمقراطي اقتصادياً عبر السيطرة على اقتصاد المنطقة ووضعها في خدمة أيديولوجيته وعسكرة المنطقة عبر التجنيد الإجباري واستغلال تهديد القوى الإسلامية المتطرفة في التجييش، وبذات الوتيرة تزداد القيود المفروضة على الحراك السياسي والمدني في كردستان سوريا، وتتقلص مساحة الحريات لتحتلها صور قائد حزب العمال الكردستاني “آبو”
كان من الممكن أن تكون المنطقة الكردية المساحة الديمقراطية في الشرق الأوسط، في حال أُديرت بشكل مختلف، ما كان سيمنح المنطقة وإدارتها – سواء كان حزب الاتحاد الديمقراطي أو غيره – المزيد من الشرعية والاستقرار لأمد بعيد، لكن للأسف تشير كل الأحداث إلى عكس ذلك
ما رأيك بإعلان “تم إقرار النظام الفيدرالي في روج آفا – شمال سوريا”؟
الإعلان الأحادي الجانب “للنظام الفيدرالي في روج آفا” أضر بطرح الفيدرالية، فعلى الرغم من أن الفيدرالية إحدى أكثر الحلول منطقية لمستقبل سوريا، لكنها تحتاج في الوقت نفسه إلى التوافق بين مختلف المكونات السورية في إطار دستوري عام
هل تدعم نظام فيدرالي في سوريا وإذا كان الأمر كذلك لماذا؟
سوريا دولة متعددة القوميات والطوائف والنظم الاجتماعية المتباينة، فالقوانين الاجتماعية الناظمة للحياة في ديرالزور على سبيل المثال مختلفة كل الاختلاف عن مدينة حلب بكافة تفاصيلها، على الرغم من عدم وجود اختلاف قومي أو طائفي بين المدينتين. وقس على ذلك بالنسبة لكل من السويداء ودرعا، حماة وحمص، اللاذقية وإدلب، الحسكة والرقة…إلخ. هذا الاختلاف كان موجوداً قبل الثورة ولايزال، إضافة إلى تزايد الفجوة الفاصلة نتيجة الحرب الدائرة
انطلاقاً من هذه الحقيقة، يجب الأخذ بعين الاعتبار أن فرض لون واحد وقوانين واحدة على كافة السوريين مستقبلاً هو عملياً دفع باتجاه عدم الاستقرار والتقسيم، فالحل الوحيد لضمان وحدة سوريا من جهة وتحقيق تطلعات مختلف المجتمعات والقوميات والطوائف السورية هو التوجه نحو نظام لا مركزي، قد تكون الفيدرالية إحدى أشكاله. عشرات الدول حول العالم تبنت الفيدرالية لأسباب مختلفة، وكانت حلاً ناجعاً في معظمها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الفيدرالية وحدها ليست حلاً لكافة المشاكل، بل هي الطريق الذي يجب العمل عليه وبناء تفاصيله بالتشارك بين كافة السوريين للتأسيس السليم لنظام أفضل تلافياً للوصول إلى مرحلة اللاعودة بين مكونات الشعب السوري، ولتجنب بروز ديكتاتوريات مركزية جديدة من طوائف أخرى مستقبلاً
هل تعتقد أنه من الممكن بناء قوة ثالثة، ديمقراطية وتقدمية، تضمن تحقيق أهداف الثورة الأصلية وتكون مستقلة عن النظام والقوى الإسلامية ؟
الشارع السوري مغيّب، مبادئ الثورة الأولى مغيّبة، الأطراف المتصارعة سواء أكان النظام أو المعارضة جهتان عسكريتان الآن، وتتحركان كجزء من سياسة إقليمية ودولية، فلما كان مطلب إسقاط النظام خطوة في سبيل تحقيق الحرية والعدالة والكرامة، تحول – بشكل ما – إلى هدف نهائي للمعارضة، في حين أن أسقاط النظام – وحده – لن يحقق مطالب الشعب السوري. ولا أحد يستطيع الجزم حالياً ما سيكون عليه مستقبل سوريا في ظل تصارع الأطراف التي تمتلك السلاح والقوة. للأسف لم يستطع الشارع السوري فصل نفسه عن هذه المعادلة (النظام – المعارضة)، فالوقوف ضد أي طرف منهما سيعني بالضرورة وقوفك إلى جانب الآخر، بينما الطرفان بشكلهما الحالي لن يتمكنا من تحقيق تطلعات أحد سوى مصالح أمراء الحرب والدول الداعمة لهما، سواء أكانت إيران أو السعودية، تركيا أو ورسيا … إلخ
ثمّة ضرورة ملحة لوجود طرف ثالث يلتزم فقط بكل ما يتطلبه الوصول إلى الحرية وتحقيق سوريا مستقبلية تضمن مصالح السوريين فقط. ورغم ذلك، فإن وجود هكذا طرف لا يعني بالضرورة قدرته على التأثير في المعادلة السياسية، إذ أن السيادة الآن باتت للسلاح وحده، لكن ذلك قد يبقى ذلك أفضل من خيار الصمت أو الإقرار بحتمية الاصطفاف وراء القوى الإسلامية في سبيل إسقاط النظام
27 May 2016