25 أبریل 2020, برلین البرید الالكتروني: [email protected]
المقدمة:
في 11 فبرایر 2020 في برلین، أقر البرلمان الألماني )البوندستاغ( اقترا ًحا تدعمه أحزاب CDU / CSU وSPD البرلمانیة لاستئناف وتوسیع التعاون الثنائي في المجالات السیاسیة والاقتصادیة والإنمائیة مع السودان. الجدیر بالذكر أنه في ١٥ یونیو ١٩٨٩ وكرد فعل على الحرب الأهلیة في السودان، تم تعلیق التعاون في مجال السیاسة العامة بین البلدین بقرار برلماني وذلك قبل وقت قصیر من استیلاء البشیر والجیش -بمساعدة الجبهة الإسلامیة الوطنیة- على السلطة بواسطة انقلاب عسكري. في ذات السیاق أدت جائحة كورونا )19-Covid( في الوقت الحالي إلى إلقاء تساؤل حول مستقبل العدید من القرارات السیاسیة التي تتطلب تخصیص میزانیات معینة، سواء على مستوى الاتحاد الأوروبي أو في السودان. ومع ذلك، فان ما هو مؤكد أن ألمانیا تعتزم أن تكون لاعبا رئیسیا في المرحلة الانتقالیة في السودان. فیما یلي بیان من مجموعة SudanUprising Germanyحول قرار استئناف المساعدات والاقتراح المقدم من الائتلاف الحاكم )CDU / CSU وSPD( والذي یقوم علیه هذا القرار.
SudanUprising Germany هي منصة أسسها نشطاء سیاسیین سودانیین وألمان من أصول سودانیة بعد وقت قصیر من بدء الثورة في السودان في دیسمبر 2018. استخدمت هذه المنصة للعمل لدعم المطالب الثوریة للحریة والسلام والعدالة في السودان وكذلك لربط السودانیین مع النضالات المستمرة للتحرر في أوروبا وأفریقیا وحول العالم، والدعوة إلى إنهاء الاستعمار في السیاسات الخارجیة الأوروبیة في أفریقیا و “الشرق الأوسط”. نحن في هذه المنصة اذ نتفق مع الحكومة الألمانیة على أن الثورة السودانیة الأخیرة تقدم فرصة تاریخیة لتحسین وضع حقوق الإنسان بشكل كبیر في السودان، فإننا نطعن من عدة جهات، على صحة روایتها
وأفعالها فیما یتعلق ببلادنا.
مما یبدو جلیا من خلال الاقتراح البرلماني للائتلاف الحاكم هو أنه یقتصر الثورة السودانیة والمظالم التي دفعت بها إلى مشاكل اقتصادیة فقط. إن تقلیل الاحتجاجات إلى هذا الحد یقلل من أهمیة الدعوة للحریة والسلام والعدالة التي قام بها المتظاهرات والمتظاهرین السودانیین وضحى الكثیر في سبیلها. نحن نرى هذه المطالب كما تفعل ویفعل الثوار السودانیات والسودانیین بجمیع أبعادها الاجتماعیة والقانونیة والسیاسیة والاقتصادیة.
من الملاحظ أی ًضا أن الحكومة الألمانیة تصر على الخلط بین قوى الحریة والتغییر )ق. ح. ت( والمتظاهرات والمتظاهرین الذین قاموا بالثورة، والذین هم ملایین السودانیات والسودانیین الذین شاركوا في الإضرابات والمظاهرات والاعتصامات وجمیع الأشكال الأخرى من انواع الاحتجاج السلمي المشروعة. من ناحیة أخرى، فإن قوة الحریة والتغییر هي مجموعة من الأحزاب السیاسیة المعارضة ومنظمات المجتمع المدني وبعض الحركات المسلحة التي اجتمعت تحت توقیع إعلان الحریة والتغییر. إن الثوار -بجنسیهم- هم الذین یمنحون الشرعیة لقوى الحریة والتغییر لتمثیل المطالب الثوریة على المستوى السیاسي. هذا یعني أن القوة تنبع من المتظاهرین إلى )ق. ح. ت( ولیس العكس. إن فهم ذلك له تداعیات مهمة على أولئك الذین یدعون أنهم یقفون إلى جانب السودانیین، ذلك یعني ان أي سیاسة تسعى إلى تقویض مطالبهم ستفشل في نهایة المطاف، حتى إذا تبناها المدنیون في الحكومة
الانتقالیة الحالیة في السودان
علاوة على ذلك، یشیر المقترح إلى أن المیلیشیات فقط هي من فضت اعتصام القیادة العامة في الخرطوم في 3 یونیو باستخدام القوة المفرطة والعنف، وأن الجیش لم یلعب أي دور. ویتضح ذلك من الجملة التالیة: “المیلیشیات على وجه الخصوص لم تكن جاهزة على الفور لهذا ]استیلاء الجیش على السلطة[ فقاموا من جانبهم، بالتصعید في 3 یونیو 2019 بالتفریق العنیف لمعسكر الاحتجاج الرئیسي” كیف للحكومة الألمانیة أن تعلم ان المیلیشیات هي فقط التي ارتكبت العنف؟ على الرغم من وجود العدید من شهود العیان الذین یؤكدون تورط الجیش وجهاز الأمن والاستخبارات الوطني، بالإضافة إلى المیلیشیات في المجزرة؟ ذلك على الرغم من أن اللجنة المشكلة من الحكومة الانتقالیة السودانیة للتحقیق في الهجوم لم تنته من عملها ولم تصدر اي نتائج حول ذلك؟
أكثر ما یثیر قلقنا في روایة الحكومة الألمانیة بشأن مذبحة 3 یونیو هو أنها لم تذكر اسم المیلیشیا الرئیسیة التي شاركت في فض الاعتصام وهي ملیشیا قوات الدعم السریع والتي یتهمها العدید من المتظاهرین بأنها الجاني الرئیسي للعنف ضدهم. كما هو معروف الآن وحتى خارج السودان فان قوات الدعم السریع بقیادة محمد حمدان دقلو )حمیدتي( هي إعادة تسمیة لمیلیشیات الجنجوید المتهمة بارتكاب الإبادة لجماعیة في دارفور اضافة الى ذلك فان من اهم دلالات عدم المصداقیة في تصریحات الحكومة الألمانیة فشلها في إبلاغ الشعب الألماني بالدور الذي لعبه الاتحاد الأوروبي، بقیادة ألمانیا، في نمو وإثراء میلیشیا الجنجوید حیث لا یدرك معظم الألمان أن حكومتهم من خلال تعاونها مع نظام البشیر في إطار ما یسمى ب “عملیة الخرطوم” عملت لسنوات على تعزیز أجندتها للسیطرة على الهجرة في القرن الأفریقي. ولا تزال ألمانیا والاتحاد الأوروبي یعقدان صفقات ما بعد الثورة لتعزیز أجندتهما غیر الأخلاقیة، لیس بانتهاك الحقوق الإنسانیة للمهاجرین واللاجئین فحسب، بل یهددان الانتقال الكامل إلى الدیمقراطیة في السودان بهذه العملیة. إن ما یقارب الهوس من ِقبل الحكومة الألمانیة بـ “الاستقرار ” في السودان والمنطقة یعني بشكل أساسي، من حیث السیاسة، لتركیز على دعم شكل الحكم في السودان الذي یخدم المصالح الألمانیة والأوروبیة على أفضل وجه. ان مطالب الثورة السودانیة كانت ولا زالت هي الحریة والسلام والعدالة والسلطة لتحدید مستقبلهم. وتحقیق هذه المطالب هو وحده الذي یمكن أن یؤدي إلى استقرار عادل ومستدام في السودان.
منذ تولي الحكومة السودانیة الانتقالیة زمام الأمور في أغسطس 2019، تكرر الحكومة الألمانیة، كما على لسان الائتلاف الحاكم في اقتراحه، أنها رحبت بالثورة في السودان. إن أیا من أفعالها في تلك اللحظات الحرجة التي كان الشعب السوداني یحتاج فیها إلى الدعم لا تثبت مثل هذا الترحیب. حتى بدایة یونیو 2019، عندما وقعت مذبحة اعتصام القیادة العامة في الخرطوم، لم تعلق الحكومة الألمانیة تعاونها مع نظام البشیر الدیكتاتوري. وحتى في الأشهر السابقة التي كانت ملیئة بالعنف والقتل ضد المتظاهرین، في دارفور، وكردفان، والخرطوم وأماكن أخرى، لم تجد الحكومة الألمانیة في كل هذا سبًبا كافًیا لإنهاء تعاونها مع الجیش.
كذلك تفخر الحكومة الألمانیة بإنشاء مجموعة ” أصدقاء السودان ” وهي مجموعة من الدول التي جمعتها ألمانیا في یونیو 2019
لتنسیق الاستجابة للأحداث في السودان. منذ أغسطس 2019، توسعت مجموعة الأصدقاء هذه وأصبحت تجتمع بانتظام وكأنها تتحول إلى منصة رئیسیة لمناقشة القضایا السیاسیة بشأن السودان. هذه المجموعة تضم في عضویتها دولا مثل السعودیة ومصر، والتي عملت بنشاط لتقویض الثورة السودانیة ودعم نظام البشیر. كما یشمل الدول الإمبریالیة مثل الولایات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانیا نفسها، التي تسعى إلى تحقیق مكاسب سیاسیة واقتصادیة مختلفة في منطقة القرن الأفریقي، من السیطرة على الهجرة إلى أرباح النفط والأقالیم الجغرافیة لعملیات مكافحة الإرهاب. كل هذه البرامج أثبتت أنها مدمرة لحیاة الطبقة الفقیرة والعاملة في هذه البلدان. كذلك من اللافت جدا للنظر أن هذا الاقتراح المقدم من الائتلاف الحاكم لا یعترف بالجهود التي یبذلها المجتمع المدني لإعادة بناء نقابات العمال السودانیة، ونقابات المزارعین، وتجمعات العمال، ومنظمات حقوق المرأة، والجمعیات غیر الربحیة والهیئات الإعلامیة المستقلة. هذه الهیئات، إلى جانب البرلمان الذي لم یتم إنشاؤه بعد والذي من المحتمل أن یمثل لجان المقاومة المحلیة، لها أهمیة حاسمة في تحدید أي التعاملات التي قد تقوم بها الحكومة الانتقالیة في السودان أو لا تقوم بها، وفي محاسبة الحكومة على قراراتها السیاسیة. وإلى أن یتم إنشاء هذه الهیاكل، یظل الإطار لإقامة علاقات ثنائیة أو متعددة الأطراف مفقوًدا. في مثل هذا المناخ، یمكن أن تصبح المساعدة بسهولة أداة لصنع السیاسات. كما یشیر الائتلاف الحاكم في الاقتراح إلى أنه سیبحث، في ظل الظروف المناسبة، تسویة متأخرات السودان من الدیون المستحقة و” تطبیع العلاقات “مع المؤسسات المالیة العالمیة – من المرجح أن المعني هنا البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. إن دیون السودان المتراكمة هي بالفعل عقبة رئیسیة أمام تحقیق تطلعات الشعب السوداني، في الوقت الذي تسعى فیه الحكومة الانتقالیة للاستجابة للظلم الاجتماعي والاقتصادي والعسكرة والفساد الذي أثار الانتفاضة وإلى الاستثمار بكثافة في التعلیم والصحة والقطاعات الاجتماعیة الأخرى. ومع ذلك، فإن تعلیق تخفیف عبء الدیون كجزرة ام السودان لیس هو الطریق الصحیح لألمانیا لمساعدة السودان. هذه الدیون تراكمت على عاتق الشعب السوداني عن طریق حكومات غیر منتخبة وغیر شرعیة وفاسدة، وتقوم على علاقات القوة الاستعماریة لذلك یجب إلغاؤها تماًما. بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل أن یأتي الاستثمار الألماني المباشر في السودان الذي یعد الاقتراح باستكشافه -كما حدث ویحدث في أماكن أخرى في أفریقیا- في شكل علاقات استخراجیة كلاسیكیة للإنتاج تعتمد على استیراد المواد الخام، وخاصة منتجات التعدین، وتصدیر البضائع المصنعة. فشل هذا النموذج الاقتصادي، الذي تكمن جذوره عمیقا في المشروع الاستعماري، لیس فقط في افریقیا، ولكن أجیال من العمال والمزارعین في جمیع أنحاء الجنوب العالمي. هذا النموذج إذا تم تبنیه، فسوف یفشل السودانیون مرة أخرى كما فعلوا في الماضي، لذلك سنحاربه وأي محاولة لفرض سیاسة نیو لیبرالیة على البلاد. ولیس من الغریب أن الاقتراح فشل في ذكر قرار الحكومة الألمانیة الأخیر ببدء ترحیل اللاجئین إلى السودان وتبریر القرار منًً خلال الأسطورة القائلة بأنه أصبح مكانا آمنا للعودة. نؤكد من جدید التزامنا بحق الإنسان في حریة الحركة، وندعو الهیئات الثوریة السودانیة لنشر الوعي ومقاومة محاولات ألمانیا لفرض السیطرة على الهجرة وأجنداتها الاستخراجیة على السودان في مقابل المساعدة والاستثمار الاقتصادي. كما ندعو الجماعات والحركات التقدمیة في ألمانیا وأوروبا على نطاق أوسع، وكذلك الجماعات التي تناضل من أجل العدالة الاجتماعیة في جمیع أنحاء العالم، لدعم الشعب السوداني في مطالبه المستمرة بالحریة والسلام والعدالة وان یكون سید قرارته وُمحدد مستقبله. نعرب عن تضامننا العمیق مع الحركات الاجتماعیة حول العالم، من العراق وإیران إلى بوركینا فاسو والهند وتشیلي وهایتي، في صراعهم المشترك من أجل تحقیق نفس الهدف.
ً
البیان كاملا
الطعن في الحد من الثورة السودانیة والمظالم التي دفعت بها واقتصارها في أزمة اقتصادیة.
لم تكن الأزمة الاقتصادیة وحدها هي التي أدت إلى الاحتجاجات، على الرغم من الیأس الاقتصادي – خاصة سعر الخبز والسلع الأساسیة – الذي أثارها في دیسمبر 2018. ما حول الاحتجاجات المبكرة إلى حركة جماهیریة من أجل التغییر استمرت لأكثر من ثمانیة أشهر هو تراكم عقود من القمع السیاسي والعنصریة الهیكلیة والفساد والعنف الجنسي وسوء استخدام ونهب الموارد والحروب والانتهاكات الجماعیة لحقوق الإنسان. بدورها كانت القدرة على الحفاظ على الثورة نتیجة لسنوات من التنظیم والنضال الطبقي منً أجل التغییر، حیث دفع الكثیر من المدافعین عن حقوق الإنسان والطبقة العاملة السودانیة، وخاصة النساء والأقلیات العرقیة، ثمنا ً باهظا لذلك النضال. إن التقلیل من هذه الاحتجاجات إلى منظور اقتصادي بحت یقلل من أهمیة دعوة المتظاهرین للحریة والسلام والعدالة في جمیع أبعادهم الاجتماعیة والقانونیة والسیاسیة والاقتصادیة.
نرفض الخلط بین قوى الحریة والتغییر مع المتظاهرین الذین قاموا بهذه الثورة وقادوها.
تصر الحكومة الألمانیة على تقدیم سردا یختلط فیه العنصر المدني للحكومة الانتقالیة في السودان والائتلاف السیاسي الذي یدعمها )ق. ح. ت( بالمتظاهرین. یسمح هذا الخیال لصانعي السیاسة الألمان بتجاهل حقیقة أن هذا الكیان السیاسي والحكومة الانتقالیة تم تفویضهم بشكل غیر رسمي فقط من قبل الشعب لضمان تلبیة مطالبهم الثوریة. حیث ان المتظاهرون هم ملایین السودانیین الذین شاركوا في الإضرابات والمظاهرات والاعتصامات وأشكال أخرى من العصیان المدني السلمي. من ناحیة أخرى، فإن )ق. ح. ت.( هي مجموعة من الأحزاب السیاسیة المعارضة، ومنظمات المجتمع المدني وبعض الحركات المسلحة التي اجتمعت تحت شعار إعلان الحریة والتغییر – وثیقة تم التوقیع علیها في 01 ینایر 2019، والتي وضعت من مطالب الثورة. إن المتظاهرین هم الذین یمنحون )ق. ح. ت.( وأهم مكوناتها وهو تجمع المهنیین السودانیین )ت. م. س.( الشرعیة لتمثیل مطالبهم على المستوى السیاسي. هذا یعني أن القوة تنبع من المتظاهرین إلى )ق. ح. ت.( ولیس العكس. وبالتالي، یمكن سحب هذه السلطة إذا شعر الشعب السوداني
ً
بأن هذا الكیان، وبالتالي الحكومة الانتقالیة، لم تعد تمثلهم. فبدلا من إبقاء عینیها ثابتة بثبات على مطالب ملایین السودانیین الذین انتفضوا لیقولوا ” كفى ” بالنسبة إلى الوضع الراهن وأنماط الحكم السائدة تقوم ألمانیا بدلا من ذلك بتعلیق جزرة المساعدة واستخدام أزمة المیزانیة والأزمة الاقتصادیة الهائلة التي تواجهها الحكومة الانتقالیة لجعلها شریكا في انتهاك حقوق السودانیین وغیرهم من المهاجرین الأفارقة الباحثین عن حیاة الكرامة والأمان.
ندعو الحكومة الألمانیة إلى أن تكون شفافة بشأن دورها في نمو وإثراء میلیشیا الجنجوید لقوات الدعم السریع.
یقول اقتراح CDU / CSU وSPD “المیلیشیات على وجه الخصوص لم تكن جاهزة على الفور لهذا ]استیلاء الجیش على السلطة[ فقاموا من جانبهم، بالتصعید في 3 یونیو 2019 بالتفریق العنیف لمعسكر الاحتجاج الرئیسي” نحن قلقون للغایة من أن الحكومة الألمانیة قد خلصت على ما یبدو إلى أن المیلیشیات فقط هي التي شاركت في فض اعتصام القیادة العامة العنیف والقاتل في 3 یونیو. كیف توصلت الحكومة الألمانیة إلى هذا الاستنتاج بالرغم من وجود روایات متعددة تُورط أی ًضا العسكریین وعناصر الأمن في المجزرة؟ على أي أساس یستند تقییمها على اعتبار أن اللجنة التي شكلتها الحكومة السودانیة الانتقالیة للتحقیق في الهجوم لم تنته بعد من عملها أو تصدر نتائجه؟ أكثر ما یثیر قلقنا في روایة الحكومة الألمانیة بشأن مذبحة 3 یونیو هو أنها لم تذكر اسم المیلیشیا الرئیسیة التي شاركت في فض الاعتصام وهي ملیشیا قوات الدعم السریع والتي یتهمها العدید من المتظاهرین بأنها الجاني الرئیسي للعنف ضدهم. كما هو معروف الآن وحتى خارج السودان فإن قوات الدعم السریع بقیادة محمد حمدان دقلو )حمیدتي( هي إعادة تسمیة لملیشیات الجنجوید المتهمة بارتكاب الإبادة الجماعیة في دارفور
فشل سرد الحكومة الألمانیة في ذكر دور الاتحاد الأوروبي، بقیادة ألمانیا، في نمو وإثراء میلیشیا الجنجوید. في حین فرض الاتحاد الأوروبي حظرا على تورید الأسلحة للسودان بین عامي 2015 و2018، فقد قام في نفس الوقت بتوجیه مئات الملایین من الیورو
إلى البلاد من خلال “عملیة الخرطوم” وهي اتفاقیة تم توقیعها في عام 2014 بین الاتحاد الأوروبي ودول القرن الأفریقي، والمستفید الوحید والمباشر من هذه الاتفاقیة غیر الأخلاقیة هو النظام الحاكم. والهدف الرئیسي لعملیة هو تقیید مقدرة المهاجرین واللاجئین على الوصول إلى أوروبا. ففي عام 2015، أنشأت بروكسل میزانیة خاصة- صندوق الاتحاد الأوروبي الائتماني للطوارئ لأفریقیا- ظاهرًیا لمساعدة دول عملیة الخرطوم في معالجة الأسباب الجذریة للهجرة ومكافحة الاتجار والتهریب. ومع ذلك، وجد تحلیل أوكسفام أنه من بین 400 ملیون یورو مخصصة من خلال الصندوق، ذهب 3 ٪ فقط نحو تطویر طرق آمنة ومنتظمة للهجرة. وأنفقت الغالبیة العظمى على التحكم في الهجرة. تقریر آخر نشر في نوفمبر 2017 من قبل المبادرة الدولیة لحقوق اللاجئین، المبادرة الاستراتیجیة للنساء في القرن الأفریقي، ومركز قانون حقوق الإنسان، وجامعة لندن، خلص إلى أن نموذج شراكة عملیة الخرطوم الذي یقوم على ان یوفر الاتحاد الأوروبي التمویل والخدمات مزایا الأخرى مقابل إدارة البلدان الأفریقیة للهجرة، هو نموذج غیر متناسق ومدفوع إلى حد كبیر بالمصالح والمطالب الأوروبیة. وخلصت أی ًضا إلى أن هذا النموذج هو جزء من اتجاه أوسع لإبعاد للمهاجرین واللاجئین إلى الخارج حیث تدفع الدول الأوروبیة لدولة أخرى لاستضافة طالبي اللجوء أو اللاجئین. یشیر تقریر دویتشه فیله المنشور في 22 یولیو 2019 إلى أن مركز المخابرات الذي یموله الاتحاد الأوروبي والمعروف باسم مركز العملیات الإقلیمي في الخرطوم، تم تعلیق نشاطه فقط في یونیو 2019، بعد مذبحة 3 یونیو. وبحسب هذا التقریر، جمع هذا المركز قوات الأمن في تسع دول في القرن الأفریقي لتبادل
المعلومات الاستخباریة حول الاتجار بالبشر وشبكات تهریب الأشخاص. یشیر التقریر نفسه إلى أن مشرو ًعا تقوده وكالة التنمیة الألمانیة، والذي یوفر التدریب والمعدات لحرس الحدود والشرطة السودانیین، توقف فقط في منتصف مارس 2019، بعد ثلاثة أشهر من اندلاع الثورة، عندما كان المئات بالفعل قتل وجرح واعتقل من قبل النظام. في ذلك الوقت، لم یصرح الاتحاد الأوروبي بأنه أوقف البرنامج. في تقدیرنا، كان هذا على الأرجح من أجل عدم لفت الانتباه إلى حقیقة أن البرنامج كان قید التشغیل في المقام
الأول. ً
2016، من قبل وفد من وزارة الداخلیة السودانیة، وهي نفس الوزارة التي عملت بشكل وثیق مع جهاز الامن والمخابرات سيء السمعة.
كان تأثیر سیاسة الاتحاد الأوروبي هذه، بقیادة ألمانیا، على قوة قوات الدعم السریع كارثًیا. وكما أشار الناشط في مجال حقوق وفقا للمركز الإعلامي السوداني، شمل التعاون بین نظام البشیر والحكومة الألمانیة زیارة واحدة على الأقل إلى برلین، في عام
الإنسان سلیمان بلدو في تقریره الصادر في أبریل 2017 عن مشروع “كفى” فإن “استراتیجیة السودان لوقف تدفق المهاجرین نیابة ً
عن أوروبا تنطوي على حملة قاسیة من قبل قوات الدعم السریع على المهاجرین داخل السودان”. ولاحقا في التقریر، أضاف قائلا:
ً
“بدایة من عامي 2015 و2016، واقتناعا بفاعلیة قوات الدعم السریع كقوة لمكافحة التمرد، حدد النظام قوات الدعم السریع كقوة أساسیة في السودان مكلفة بمهمة مراقبة الحدود السودانیة لاعتراض حركة المهاجرین. قامت الحكومة السودانیة بهذا التعیین في إطار شراكتها مع الاتحاد الأوروبي للسیطرة على الهجرة. على هذا النحو، فإن قوات الدعم السریع في وضع یمكنها من تلقي أموال
ً
الاتحاد الأوروبي للحد من تدفقات المهاجرین من السودان إلى أوروبا. سنت الحكومة السودانیة قانونا في ینایر / كانون الثاني
2017 أدمج قوات الدعم السریع في القوات المسلحة السودانیة … جعل قانون عام 2017 )على نحو متعارض( قوات الدعم عن ذلك. علاوة على ذلك، یشیر تقریر استقصائي نشر فيThe New Humanitarianالمعروف سابقا باسمIRIN NEW في 30 ینایر 2018، قبل أقل من عام على بدء الثورة في السودان، إلى أن نمط الفساد وانتهاكات الحقوق المكتشفة یغذي مخاوف أكبر بشأن ما إذا كانت سیاسات الاتحاد الأوروبي للهجرة تجعل الوضع الصعب أسوأ. أصبحت الحدود الشمالیة السودانیة والتي یسهل اختراقها مع لیبیا في السابق خطرة بشكل متزاید بعد أن نشر الرئیس السوداني عمر البشیر الجنجوید السابقین وهي مجموعة شبه عسكریة متورطة في جرائم حرب خلال نزاع دارفور في 2015 كحرس حدود. قامت هذه المیلیشیا، التي أعیدت تسمیتها بقوات الدعم السریع واندماجها في الجیش السوداني في ینایر 2017، باعتقال طالبي اللجوء وتسلیمهم إلى الشرطة، الذین یحتجزونهم ویغرمونهم ویرحلون لدخولهم بشكل غیر قانوني – بغض النظر عما إذا كانت إعادتهم إلى بلدانهم سیؤدي إلى التعذیب أو السجن. یمكن أن تستنتج مما ورد أعلاه أنه في حین أن الحكومة الألمانیة والاتحاد الأوروبي یعرضان اهتمامهما بالسودان على أنه إیثار محض، في الواقع، فإن واحدة من أكبر التهدیدات لعملیة التغییر في السودان هي السیاسة الألمانیة والأوروبیة نفسها. وساعدت قوات الدعم السریع، بقیادة حمیدتي، السیاسة الأوروبیة والألمانیة على مواصلة الإجراءات الأمنیة العنیفة والقمعیة التي یعاني منها السودانیون منذ عقود. بصفته زعیم قوات الدعم السریع، نمت قوة حمیدتي فقط في ظل سیاسة الحدود الخارجیة للاتحاد الأوروبي، بقیادة ألمانیا، لدرجة أنه عندما حدثت الثورة في 2018/2019، لم یكن من الممكن التوصل إلى صفقة سیاسیة بدونه. إن الإعلان الدستوري، الموقع في أغسطس 2019، یضفي الشرعیة على قوات الدعم السریع كقوة موازیة للجیش، وحمیدتي الذي هو الآن نائب رئیس المجلس السیادي الانتقالي. هو ومیلیشیاته لیست فقط واحدة من أكبر العقبات في طریق انتقال السودان إلى دولة مدنیة ودیمقراطیة بالكامل، ولكن في تحقیق العدالة والتي هي مطلب أساسي للثورة لأولئك في المناطق المتأثرة بالحرب والقتلى والمغتصبین والجرحى من المتظاهرین هناك وفي أماكن أخرى. بطبیعة الحال، لا یتوقف قمع المهاجرین واللاجئین في إطار السیاسة الألمانیة والاتحاد الأوروبي في السودان بل یمتد إلى أولئك الموجودین على الأراضي الأوروبیة. في 3 فبرایر 2020، اتخذت وزارة الداخلیة في ولایة ساكسونیا السفلى الألمانیة قراًرا بترحیل اللاجئین السودانیین. استند القرار إلى تقریر صادر عن وزارة الخارجیة الاتحادیة في اجتماع لوزراء الداخلیة الألمان الذي عقد في الفترة من 12 إلى 14 یونیو 2019. ومنذ ذلك الاجتماع، دخل هذا القرار حیز التنفیذ في مدن مختلفة في ألمانیا، بما في ذلك براونشفایغ، غوتنغن، هانوفر، لونبورغ، أولدنبورغ، أوسنابروك وشتاد.
نعترض على تأكید الحكومة الألمانیة على “الاستقرار”
لغة “الاستقرار” تخدم ألمانیا ذاتًیا. ما طالب به السودانیون هو الحریة والسلام والعدالة. إن تحقیق هذه المطالب هو وحده الذي یمكن أن یؤدي إلى استقرار یخدم مصلحة السودانیین والأفارقة الآخرین في المنطقة، ولیس فقط لمصلحة النخبة الحاكمة في أوروبا. فيً حین أكدت الحكومة الألمانیة أنها ستذهب بعیدا من أجل “الاستقرار” في السودان، فإن هذا الاستقرار یخدم فقط مصالحها غیر الأخلاقیة. على سبیل المثال، دعمت وزارة الخارجیة الألمانیة الاتحادیة، بأموال دافعي الضرائب، عملیة الحوار الوطني المریبة للغایة لنظام البشیر، والتي صممها نظام البشیر لتحقیق الاستقرار وإطالة قبضته على السلطة. فهم معظم السودانیین بشكل صحیح
الحوار، الذي بدأ في ینایر 2014 واستمر لمدة ثلاث سنوات تقریًبا، على أنه مجرد محاولة من البشیر وحزبه للحفاظ على قبضتهم على السلطة. وقد قاطعته معظم الأحزاب والقوى السیاسیة المعارضة في البلاد. في حین دعمت ألمانیا هذه العملیة، كانت الفظائع الجماعیة ترتكب في وقت واحد من قبل النظام ومیلیشیاته في أجزاء من البلاد، وتعرضت النساء للمضایقة وسوء المعاملة من خلال قوانین النظام العام للنظام وتعرضوا للاغتصاب والتشرید في المناطق المتأثرة بالحرب، وكان المهاجرون في مواجهة الظروف الجهنمیة في البر والبحر، و ُسجن المعارضون السیاسیون بشكل روتیني و ُعذبوا و ُحرموا من الحقوق الأساسیة. كما تم دفع ملایین السودانیین إلى دوامة الفقر والطرد، واضطروا إلى القتال من أجل الضروریات الأساسیة فقط من أجل البقاء والكثیر لم یتمكنوا حتى من النجاة. ومع ذلك، ضخت وزارة الخارجیة الألمانیة، من خلال مؤسسة بیرغوف وبالتعاون الوثیق مع المعهد الألماني للشؤون الدولیة والأمنیة الأموال في التوسط في حوار البشیر. لم تكن هناك شفافیة من جانب الحكومة الألمانیة فیما إذا كان نفس المستشارین الذین وجهوا سیاستها في السودان خلال عهد البشیر ما زالوا یوجهون السیاسة الحالیة. إذا كانت كذلك، فما المبرر الذي تقدمه الحكومة الألمانیة لذلك؟ في أكتوبر 2019، بعد شهرین فقط من التوقیع على الإعلان الدستوري الانتقالي بین المدنیین والمجلس العسكري الانتقالي، أفادت الخرطوم ستار في بیان لوزارة الخارجیة السودانیة أنها وقعت على اتفاق لتكون المقر الدائم لمركز الاتحاد الأفریقي لمكافحة الهجرة غیر الشرعیة. وأشار البیان إلى أن المركز هو الأول من نوعه في القارة الإفریقیة، حیث سیقدم خدمات لجمیع الدول الإفریقیة، ًًً مشیرا إلى أن الاتحاد الأوروبي یدعم المركز تقنیا ومالیا. وبعبارة أخرى، فالطبیعة الذاتیة لخدمة السیاسة الألمانیة والاتحاد
الأوروبي فیما یتعلق بالسودان- متنكرین في زي القلق والإیثار -مستمرة.
نحن نختلف مع تأكید الحكومة الألمانیة على أنها رحبت بالثورة، حیث لم یبد أي ترحیب من أفعالها في الوقت الذي احتاج فیه الشعب السوداني إلى الدعم أكثر من هذا الترحیب
لم تدعم الحكومة الألمانیة بشكل ملموس الانتفاضة في السودان حتى وقت متأخر جًدا، عندما فقد العدید من الأشخاص حیاتهم بالفعل.
عرضت ألمانیا الدعم فقط بعد تسویة الأمور، وتم التوصل إلى اتفاق بین قوى الحریة والتغییر والمجلس العسكري وتم تنصیب الحكومة الانتقالیة في أغسطس 2019. بین بدایة الثورة في أواخر عام 2018 وإزالة البشیر في أبریل 2019، كان هناك بیانان
فقط -في 11 ینایر 2019 و 14 مارس 2019- من مفوض الحكومة الاتحادیة لسیاسة حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانیة. كان
هذین الإعلانین هما الوحیدین الذین صدرا عن وزارة الخارجیة الألمانیة الاتحادیة. دعا البیان الذي أعقب یوم 22 مایو 2019
المجلس العسكري الانتقالي إلى عدم العودة إلى منتصف الطریق، ولكن إلى تحمل مسؤولیته وتسلیم السلطة إلى حكومة یقودها مدنیون. للوهلة الأولى، یبدو أن الحكومة الألمانیة تستخدم قوتها للضغط من أجل الدیمقراطیة. ولكن من خلال الفحص الدقیق، یمكنً قراءتها بسهولة على أنها اضفاء للشرعیة، ذلك لأنها تضع الفعل في أیدي الجیش -الذي استولى على السلطة بشكل غیر قانوني- بدلا من وعد المتظاهرین بدعمهم وحثهم على المضي في نضالهم إلى الأمام. لقد منح الاتحاد الأوروبي شرعیة على المیلیشیات والجیش بعد وقت قصیر من سقوط البشیر. التقى سفیر الاتحاد الأوروبي في السودان آنذاك، جان میشیل دوموند، وكذلك السفیر الأمریكي وعدة سفراء أوروبیین آخرین، بنائب المجلس العسكري الانتقالي آنذاك، والذي هو لیس سوى قائد حملات الإبادة الجماعیة الجنرال حمیدتي.
لم تضع ألمانیا موقفها لصالح الانتفاضة المدنیة. نحن نؤمن إیمانا راسخا بأن انخراطها المستمر مع الجیش عزز مطالبة الجیش بتقاسم السلطة، وكان عاملا في الضغط المتزاید على قوى الحریة والتغییر للتوصل إلى صفقة سیاسیة مع المجلس العسكري الانتقالي غیر الشرعي. وقد كشفت هذه الصفقة منذ ذلك الحین عن احتوائها على عیوب خطیرة، بما في ذلك إضفاء الطابع المؤسسي على میلیشیا الدعم السریع كقوة موازیة للقوات المسلحة السودانیة، وغیاب آلیة واضحة یتم من خلالها تفكیك المیلیشیات وتضمن
تراجع الجیش إلى الثكنات في نهایة الفترة الانتقالیة.
نندد بادعاء الحكومة الألمانیة أن تأسیسها لمجموعة أصدقاء السودان هو لصالح الشعب السوداني ونضاله من أجل الحریة والسلام والعدالة
تذكر الحكومة الألمانیة بفخر أنها أنشأت مجموعة دول أصدقاء السودان. ومع ذلك، فإن معظم هذه البلدان، بما في ذلك ألمانیا، لم تدعم شعب السودان خلال ثورته. بل عمل أعضاء آخرون في هذه المجموعة، مثل المملكة العربیة السعودیة والإمارات العربیة المتحدة ومصر بنشاط لإحباط الثورة، وهو أمر تم توثیقه جیًدا من قبل الصحفیین. أكدت الإمارات العربیة المتحدة والمملكة العربیة السعودیة بسرعة للمجلس العسكري الانتقالي الملیارات من الدعم بعد ساعات قلیلة فقط من تولیه السلطة. كما أرسل هذان البلدان أی ًضا ما مجموعه 500 ملیون دولار إلى بنك السودان المركزي بالإضافة إلى 2.5 ملیار دولار في شكل أغذیة وأدویة ومنتجات بترولیة كدعم اقتصادي للمجلس العسكر الانقلابي معتقدین أنها ستهدئ الانتفاضة. وعندما عقدت الحكومة الألمانیة اجتما ًعا لأزمة الأصدقاء في برلین في 21 یونیو 2019، بعد ما یقرب من ثلاثة أسابیع من مذبحة اعتصام الخرطوم، حدث هذا بهدوء وسریة. لم تدع وزارة الخارجیة الاتحادیة أي سوداني من الحكومة أو المجتمع المدني أو السودانیین في أوروبا أو أحد ممثلي المعارضة لهذا الاجتماع. في تلك المرحلة من الثورة -بعد وقت قصیر من مذبحة 3 یونیو – وفي أي دولة أخرى، كان من غیر المقبول أن تظل القوى الغربیة تناقش مستقبل السودان دون التركیز على صوت المجتمع المدني السوداني. من خلال تنظیم اعتصام لمدة یومین أمام مبنى وزارة الخارجیة الفیدرالیة الموازي لذلك الاجتماع في یونیو 2019، أوضحنا أن مجموعة أصدقاء السودان، بقیادة ألمانیا، هو كیان استعماري جدید وغیر شفاف لیس له شرعیة لاتخاذ قرارات بشأن مستقبل السودان. وقد توسعت عضویة هذه المجموعة المشبوهة منذ ذلك الحین، ومع ذلك تظل غیر شفافة وشاملة للبلدان التي تكون أجندتها معاكسة تماًما لتلك التي حاربها الشعب السوداني ومات من أجلها. بوجود أصدقاء مثل هؤلاء، من بحاجة للأعداء؟ تحتل ألمانیا، أقوى دولة في الاتحاد الأوروبي، مكانة جیدة خاصة في النظام العالمي مؤخ ًرا. منذ كانون الثاني / ینایر 2019، أصبحت عض ًوا غیر دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي من المتوقع أن تنتهي مدته عامین في دیسمبر 2020. وخلال سنتها الأولى في المجلس، تبنت ألمانیا القرار 2467، والذي وفقا لوزارة الخارجیة، أنشأت ألمانیا مؤسسة لمكافحة العنف الجنسي في النزاعات ومحاسبة المسؤولین عنه ووضع الضحایا والناجین من العنف الجنسي في الصدارة. ومن المفارقات أنه بینما كانت ألمانیا تضغط من أجل هذا القرار، فإن تعاونها مع النظام سیئ السمعة في السودان لحملات الاغتصاب الجماعي التي ترعاها في المناطق التي شنت فیها الحرب، وضد المتظاهرین، استمر. في 4 یونیو 2019، بعد یوم واحد من مذبحة اعتصام القیادة العامة في الخرطوم، تم استجواب الوزیر الاتحادي الألماني للتعاون الاقتصادي، جیرد مولر، في البوندستاغ من قبل عضوة البرلمان كریستینا بوخهولتز. وعلى سؤالها: متى ستوقف الحكومة الاتحادیة التعاون مع قرار المجلس العسكري في السودان، الذي تسبب للتو في حمام دم بین المتظاهرین السلمیین؟ لم یعط الوزیر إجابة محددة. وفي السؤال الثاني الذي طرحته بوخهولتز حول كیف یمكن للحكومة الألمانیة ضمان عدم وصول أموال الاتحاد الأوروبي إلى قتلة قوات الدعم السریع، الذین لا یسحقون الحركة الدیمقراطیة فحسب، بل یعهدون أی ًضا بـ الدفاع عن حدود السودان الخارجیة من اللاجئین؟ الوزیر مرة أخرى لم یكن لدیك إجابة. وبدلا من ذلك، قال إنه كان علیه مراجعة المعلومات لأنه لم یتمكن من استحضارها في ذلك الوقت. هذا یشیر إلى أنه في وقت الاستجواب، في یونیو 2019 وبعد ما یقرب من ستة أشهر من الثورة، كانت الحكومة الألمانیة لا تزال تواصل تعاونها مع الدیكتاتوریة السودانیة. تحب الحكومة الألمانیة التحدث عن مسؤولیة ألمانیا الخاصة عن السلام والأمن في العالم، لكن هذه المسؤولیة لا یبدو أنها تمتد إلى حیاة الأفارقة مثل حیاة السودانیین. یذكرنا اقتراح CDU / CSU وSPD بشأن السودان بمشاركة الحكومة الألمانیة كرئیس مشارك مع المملكة المتحدة للبعثة المختلطة للأمم المتحدة والاتحاد الأفریقي في دارفور یونامید. في خضم الثورة وفي ذروة حملة الدعم السریع التي قادت العنف ضد المتظاهرین، ارتكبت بعثة یونامید، تحت هذه القیادة المشتركة التي تفتخر بها ألمانیا، أخطاء استراتیجیة كبیرة. في 11 یونیو / حزیران 2019، انتقدت هیومن رایتس ووتش بشدة انسحاب بعثة یونامید في خضم عدم الاستقرار السیاسي الناجم عن رد النظام على الثورة، مشیرة إلى أن الانسحاب أدى إلى احتلال میلیشیات الجنجوید 9 من أصل 10 مواقع والتي كانت تدار من قبل قوات حفظ السلام في الأشهر الثمانیة السابقة. وأضافت منظمة هیومن رایتس ووتش أن السلطات في دارفور قامت بقمع المتظاهرین بعنف وأنه على مدار العام، كانت الهجمات مستمرة على المدنیین من قوات الدعم السریع، خاصة في منطقة جبل مرة بدارفور، مما أجبر المدنیین على الفرار. علاوة على ذلك، أضافت هیومن رایتس ووتش أن هذا التقلیص یعكس روایة زائفة حول انتهاء حرب دارفور من المرجح أن ینمو موقف ألمانیا على المسرح العالمي ونفوذها هذا العام. في یولیو 2020، من المتوقع أن تترأس ألمانیا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بینما تتولى أی ًضا رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي. یتزاید فهم الأفارقة – بمن فیهم السودانیون – لهذا النظام العالمي على أنه استمرار للتركات الاستعماریة لإخضاع القارة الإفریقیة وآسیا وأجزاء من المحیط الهادئ وأمریكا اللاتینیة ومنطقة البحر الكاریبي. شعوب هذه المناطق یواصلون النضال من أجل حریتهم وتقریر المصیر على الرغم من النظام العالمي الذي یسعى إلى بقائهم مستعبدین لمساعدته المشروطة وأسواقه الحرة. نقول إن الخطط الاقتصادیة للحكومة الألمانیة بخصوص السودان أضحت خط ًرا بأن تصبح أداة لرسم السیاسات لحمایة المصالح الألمانیة في المنطقة كما ذكر في المقدمة، في عام 1989 جمدت ألمانیا مساعدات التنمیة للسودان. لكن العلاقة الاقتصادیة بین السودان وألمانیا لم تتوقف في العقود التي تلت ذلك. لقد تغیر ت ببساطة، مع تطور عملیة الخرطوم لتصبح في نهایة المطاف مجرد حامي لمصالح ألمانیا في مراقبة الحدود وتعطیل مسار الهجرة. بعبارة أخرى، بینما توقفت ألمانیا عن الاستثمار في القطاع العام السوداني، الذي كان النظام یفككه بسرعة، تحولت لدعم جهاز الأمن القمعي بدلا من ذلك.
الیوم، بعد ثمانیة أشهر من المرحلة الانتقالیة ما بعد الثورة، لا تزال حكومة السودان الانتقالیة غیر مكتملة. حیث لم یتم تشكیل البرلمان الانتقالي، الذي من المتوقع أن یمثل مختلف القوى، بما في ذلك الجماعات الثوریة. لا یزال حكام ولایات السودان الثماني عشرة هم المعینون من قبل الجیش خلال الثورة ولم یتم استبدالهم بالمدنیین حتى الآن. تفتقر البلاد إلى سیاسات وأطر اقتصادیة واضحة، ولا تزال العدید من سفاراتها تعاني من نقص الموظفین أو الموظفین المؤقتین. إن عملیة السلام ما زالت جاریة. ویتطلب حلها الناجح استثمارات اقتصادیة ضخمة، من إعادة إعمار المناطق التي مزقتها الحرب إلى تعویض الضحایا وإنهاء العلاقة الاستخراجیة بین وسط البلاد والمناطق الغنیة بالموارد و لاتزال فقیرة. من الناحیة الاقتصادیة، تواجه البلاد أزمة عمیقة وتتحمل عبء الدیون الضخمة. بناًء على الإعلان الدستوري، یجب على الحكومة الانتقالیة أن تعقد مؤتمرا حول الاقتصاد بمشاركة واسعة من مختلف القطاعات وكیانات المجتمع المدني، من أجل المساعدة في تصمیم السیاسات الاقتصادیة في السودان بطریقة تعكس مطالب الثورة. كان من المفترض أن یعقد هذا المؤتمر في مارس 2019 ولكن تم تأجیله إلى أجل غیر مسمى بسبب التهدید الخطیر الذي یمثله وباء كورونا. لقد وجدنا أنه من اللافت للنظر أن اقتراح الحكومة الألمانیة لا یعترف بالجهود التي یبذلها المجتمع المدني لإعادة بناء نقابات العمال السودانیة، ونقابات المزارعین، وتجمعات العمال، ومنظمات حقوق المرأة، والجمعیات غیر الربحیة والهیئات الإعلامیة المستقلة. هذه الكیانات، إلى جانب البرلمان الذي لم یتم إنشاؤه بعد والذي من المرجح أن یمثل أی ًضا لجان المقاومة المحلیة، هي أمر حاسم في تحدید المعاملات التي قد تعقدها الحكومة الانتقالیة السودانیة أو لا تقوم بها، وفي محاسبة الحكومة على قراراتها السیاسیة. وإلى أن یتم إنشاء هذه الهیاكل، یظل إطار إقامة علاقات ثنائیة أو متعددة الأطراف مع المؤسسات الاقتصادیة الدولیة مفقوًدا. إن دخول طرف ثالث )في هذه الحالة الحكومة الألمانیة( في ظل هذه الظروف، یلوح بملایین من الیورو ویواصل دفع أجندته للتحكم في الهجرة، من المرجح أن یحول هذا الطرف إلى صانع سیاسات بدلا من مؤید. ربما هذا ما تریده الحكومة الألمانیة، ولكن لیس هذا ما قام به الشعب السوداني في انتفاضته. تعد الحكومة الألمانیة بإجراء دراسة بناءة، في إطار مبادرة البلدان الفقیرة المثقلة بالدیون، في الوقت المناسب وفي ظل الظروف المناسبة، لتسویة متأخرات السودان للدائنین الدولیین، بحیث العلاقات مع الدولیة یمكن تطبیع المؤسسات المالیة. مبادرة البلدان الفقیرة المثقلة بالدیون هي مبادرة لصالح البلدان الفقیرة المثقلة بالدیون، التي بدأها في التسعینات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغیرها من الدائنین التجاریین الثنائیة والمتعددة الأطراف. تجدر الإشارة إلى أن ألمانیا هي ثالث أكبر مساهم في البنك الدولي، وأن قوة ألمانیا في هذه المؤسسة كبیرة. یمثل الوزیر الاتحادي للتعاون الاقتصادي والتنمیة، جیرد مولر، ألمانیا في مجلس محافظي البنك، الذي یتمتع بسلطة قبول وتعلیق أعضاء مجموعة البنك الدولي، أو زیادة أو تخفیض رأس المال المصرح به، وتحدید توزیع صافي الدخل للبنك، وتحدید الاتجاه الاستراتیجي العام لمجموعة البنك الدولي. تنص مبادرة البلدان الفقیرة المثقلة بالدیون على تخفیف عبء الدیون الثنائیة وكذلك على تخفیف عبء الدیون المتعدد الأطراف من خلال المؤسسات المالیة الدولیة مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ولكن الى الحد الضروري فقط لاستعادة مستوى مستدام من الدیون.
لنكن واضحین: لا یوجد مستوى مستدام من الدیون لبلد مثل السودان الذي یصنف في ذیل قوائم الفقر والمؤشرات الاجتماعیة والاقتصادیة في العالم، والذي یجب أن یزید من إنفاقه الاجتماعي مرات عدیدة للتغلب على سنوات من الإهمال وصنع السیاسات التي أدت إلى عدم المساواة الاقتصادیة والاجتماعیة المتراكمة والحرب. والأهم من ذلك، أن الدین الذي تتحمله السودان والعدید من دول ما بعد الاستعمار غیر شرعي، تم اكتسابه من خلال تحالف استعماري جدید بین الدول الغنیة والأنظمة الدیكتاتوریة الفاسدة التي لم تكن منتخبة من قبل شعبها في كثیر من الحالات. یجب إلغاء هذه الدیون على الفور وجمیع الموارد التي تذهب إلى سداد القروض والمتأخرات یجب إعادة توجیهها نحو الصحة والتعلیم وشبكات الأمان الاجتماعي وإرساء السیادة الغذائیة وحمایة البیئة وإعادة بناء العدالة والمؤسسات الأخرى وتعویض النازحین والمتضررین من الحرب والعنف.
یعد الائتلاف الحاكم في ألمانیا في اقتراحه بالعمل على تحسین الظروف الإطاریة للتعاون بین القطاع الخاص في البلدین، وكذلك. دعم تعزیز الشروط الإطاریة للاستثمار الخاص من قبل الشركات الألمانیة في السودان. تظهر اتجاهات المساعدة، والتي تعد فیها. ألمانیا رائدة جًدا فیها، تحولا كبیًرا في السنوات الأخیرة نحو تشجیع استثمارات القطاع الخاص بدلا من المساعدة. أن مصالح ألمانیا الاقتصادیة في أفریقیا جنوب الصحراء لیس سرا. كما تذكر الحكومة الألمانیة، على مدى العقد الماضي، افتتاح اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانیة ما لا یقل عن خمسة مكاتب فرعیة جدیدة في المنطقة. حیث تستورد ألمانیا في المقام الأول خامات المعادن من أفریقیا، بینما تصدر إلیها في المقام الأول المركبات وأجزاء المركبات والآلات والمنتجات الكیمیائیة والمعدات الكهربائیة. بعبارة أخرى، إنها علاقات استعماریة كلاسیكیة للإنتاج. لقد فشل هذا النموذج الاقتصادي، الذي تكمن جذوره عمیقا في الاستعمار، لیس فقط مع الأفارقة، بل مع أجیال من العمال والمزارعین عبر الجنوب العالمي. هذا النموذج یحاول إفشال السودانیین مرة أخرى، ونقاوم أي محاولة لفرض سیاسة نیو لیبرالیة على البلاد. حالیا یحتاج قطاع الصحة السوداني إلى التضامن والدعم في مواجهة خطر جائحة كورونا، والذي في الظروف الحالیة، بما في ذلك الدیون والأزمة الاقتصادیة، یخاطر بإحداث فوضى جماعیة في حال انتشاره بین السكان والذین هم ضعفاء بالفعل لأسباب نحن في غنى عن اعادة ذكرها. كبلد مستعمر سابقا لا یزال یصدر المواد الخام إلى الدول المستعمرة سابقا، یجب على السودان بناء سیاسات اقتصادیة تتحدى هذه العلاقة الاستخراجیة بینها وبین دول في شمال العالم. إن أي سیاسة اقتصادیة لا تفعل ذلك، وتستند إلى الاستغلال والعنصریة بدلا من المعاملة بالمثل والإنصاف، ستفشل الشعب السوداني.
الخلاصة:
بصفتنا أعضاء من المجتمع السوداني بالمهجر ونشطاء شاركوا في نضالات العدالة الاجتماعیة في كل من ألمانیا والسودان، سنستمر في مقاومة محاولات ألمانیا والقوى الأخرى لسرقة جهود الشعب السوداني ودول أخرى في جنوب الكرة الأرضیة. ودعم الثورات وسعیها لتحقیق العدالة وتقریر المصیر. یجب وضع حد لسیاسات الاستعمار الجدید التي تفضلها ألمانیا كإطار لممارسة الأعمال التجاریة مع دول العالم الثالث. إن الثوار السودانیین والملایین من أمثالهم حول العالم من تشیلي إلى هایتي وإیران إلى بوركینا فاسو والجزائر إلى جنوب إفریقیا، یقاتلون ویموتون من أجل واقع جدید. و یتوقون الى الیوم الذي یحددون فیه مصائرهم، ویسیطرون على مواردهم الخاصة یفككون التسلسلات الهرمیة العرقیة والجنسیة والطبقیة والدینیة داخل مجتمعاتهم تقف مجموعة SudanUprising Germany بحزم مع تلك الصراعات وسوف تقاوم أي محاولات لاستمالتها أو احتواءها.
، سواء من قبل الحكومة الألمانیة أو أي دولة أخر.
ندعو الجماعات والحركات التقدمیة في ألمانیا وأوروبا على نطاق أوسع، والتي تعمل على تحقیق العدالة الاجتماعیة، وعلى المجموعات في جمیع أنحاء العالم، لدعم الشعب السوداني في مطالبه المستمرة من أجل الحریة والسلام والعدالة..